الثلاثاء، 10 مايو 2011

الكرسي المقدس نشرت بتاريخ 24-04-2011م

الكرسي المقدس تم النشر بجريدة الراية القطرية بتاريخ 24-04-2011م


الكرسي المقدس

بقلم: سامي زكريا
 كاتب صحفي وباحث    
  Samy583@hotmail.com



كرسي الرئاسة لم يعد كرسيا عاديا، بل أصبح مقدسا لدى العديد من القيادات، وخصوصا في العالم المتخلف أو ما يطلقون عليه العالم النامي.
مايحدث الآن بليبيا يعد شيئا لايتخيله عقل أو يتوقعه إنسان حتى في الأحلام، ولكن شاءت الأقدار أن يحدث في زماننا ونشاهده رأي العين عبر الفضائيات، فرجل واحد لو تخلى عن كرسيه لحمى بلده من الدمار، ولكنه من أجل أن يخلد على هذا الكرسي فإنه يضحي بشعبه بأكمله، فنرى القتال في الشوارع بين ثوار يريدون الحرية وبين فئة مستفيدة أخذت الثمن الزهيد وباعت ذممها بلا وازع من ضمير من أجل فرد واحد.
القتل أصبح في كل مكان، وتركز في العديد من المدن الاستراتيجية الليبية وتعدى عدد القتلى الآلاف، يُقتلون في ديارهم بلا جَريرة، وبشتى أنواع الأسلحة الثقيلة التي لاتستخدم إلا في ميادين القتال والحرب مع الأعداء، فإذا بالشعب أصبح العدو الأول لرئيسه الذي من المفترض أنه حامي حمى الوطن وتعاقد على هذه الأسلحة لحمايته ولكنه بلا وازع من ضمير ومن أجل الكرسي بدأ يستخدمها لتدميره والقضاء على الأخضر واليابس، لتصبح هذه الأسلحة وبالا على شعب دفع ثمنها من قوته، وعاش حياته بائسا في دولة بترولية كبيرة، ثم يدفع من دم أبنائه ثمنا أغلى لهذه الأسلحة بعد استخدامها ضده، فيالها من مفارقة عجيبة غريبة شراء أسلحة ليس لحماية الشعب بل من أجل قتله في نهاية الأمر.
لقد أعلنها القذافي أنه لن يسلم بسهولة وسيجعل الأراضي الليبية جمرة من نار في كل مكان فإذا به ينفذ ما أعلنه، ويسقط المئات قتلى ليفتح الطريق لتدخل عسكري من قبل حلف شمال الأطلنطي "الناتو" بعد مناشدات عربية لحماية السكان من رئيسهم الذي جلب مرتزقة من أجل قتل شعبه الذي تجرأ على أن يطلب حقه في الديمقراطية والحرية والعدل والمساواة..
على الجانب الآخر فإننا نشاهد القتلى الذين يسقطون يوميا في سوريا واليمن، فالرئيس السوري الذي يحاول تلبية المطالبات الشعبية ولو كانت شكلية وإعلامية بتغييرات وزارية وتعديلات في القوانين فإنه بموازاة ذلك يسقط العديد من القتلى يوميا برصاص الأمن، وكلما نزفت الدماء زادت شرارة الثورة وعلا سقف مطالبها، فلم تعد الوعود أو التغييرات الشكلية تخدع الشعوب.
وفي اليمن يزداد الأمر تعقيدا، رئيس يتردد في البداية ثم يرفض التنحي فيتضاعف عدد المؤيدين للثورة الشعبية، فإذا بالملايين تطالب بتنحي الرئيس، وتتدخل دول صديقة حريصة على اليمن من أجل حقن دماء أبنائه، ويتدخل مجلس التعاون وليس له من غرض سوى حرصه على أبناء اليمن وأرضه ووحدته، ولكن الحرص الرئاسي على الكرسي يجعله رافضا لكل الحلول المطروحة، فتزداد الأعداد يوميا في ربوع اليمن المطالبة برحيل الرئيس، وتتكدس الملايين في ساحة التغيير والشوارع الرئيسية مع مطالبات بإضراب عام يشل الحياة في ربوع اليمن، ومع ذلك فإن التمسك بكرسي الرئاسة يغيّب الرئيس اليمني عن الواقع، فكأنه يعيش في واد بعيد عن الوادي الذي يعيش فيه الشعب، ولا يلتفت لاهتزاز الكرسي الذي يجلس عليه، وكأنه اهتزاز راحة وليس اهتزاز ملل من طول بقائه عليه الذي امتد لأكثر من ثلاثة وثلاثين عاما.
في ساحل العاج لم يكن الأمر ببعيد عن الأحداث العربية، فالامتدادات العربية الافريقية الآسيوية واحدة، فكرسي الرئاسة الذي ظل جالسا عليه غباغبو منذ عام 2000 رفض أن يتركه حتى بعد انتخابات ديمقراطية شهدت فيها المؤسسات العالمية المراقبة للإنتخابات بنجاح منافسه الحسن وتارا، ومع ذلك رفض غباغبو تسليم السلطة والكرسي لغيره، وسالت الدماء بين أنصار الفريقين، غباغبو ومعه الجيش وأنصار وتارا ومعه الاعتراف الشعبي والدولي، ودخلت البلد في مأزق كبير أجبر القوات الدولية الموجودة هناك وخصوصا الفرنسية على التدخل لوقف هذا النزيف من أبناء الشعب الواحد لتقبض على غباغبو وتسلمه للشرعية في وضع مهين بملابسه الداخلية.
يبدو أن العديد من الدول التي تعاني من رؤسائها ستظل تدفع الثمن من دماء أبنائها حتى يسلم طغاتها، إما بتدخل سريع -مثلما حدث بساحل العاج- يحسم الموقف في ليبيا، أو بضغط دولي أكبر ينهي الحالة المتعثرة منذ أسابيع باليمن وسوريا، فالأوضاع لم تعد تتحمل المزيد من الدماء، فكرسي الرئاسة ليس مقدسا وعاجلا أم آجلا هم تاركوه لأن الموت لايستثني أحدا، وهذه الدماء التي تنزف سيحاسبون عليها لامحالة، فدم المسلم بل وغير المسلم كبيرة من الكبائر عند الله.
فمتى يستفيق هؤلاء ويتركون هذا الكرسي المقدس لتجنيب بلادهم المزيد من الدماء أم أن الحرية لابد لها من ثمن؟.

  

ليست هناك تعليقات: