الأحد، 5 يونيو 2011

مثلث الخداع نشرت بتاريخ 05-06-2011م



مثلث الخداع                نشرت بجريدة الراية القطرية الأحد 05/06/2011

  بقلم: سامي زكريا
 كاتب صحفي وباحث    
  Samy583@hotmail.com




"ليبيا واليمن وسوريا" ثلاث دول عربية كانت أعضاء في جبهة الصمود والتصدي التي تشكلت بعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد عام 1978م بين الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت مناحيم بيجن، وكان شعار هذه الجبهة هو رفض أي مبادرات سلام عربية إسرائيلية، ونالت هذه الدول في العديد من الأوقات استحسانا بل وتأييدا شعبيا لهذه المواقف العروبية الثابتة.
الدول الثلاث تشترك في أيديولوجيات وتسميات ربما تكون متشابهة في الكثير من الأحيان، فهي جمهوريات "الجمهورية العربية السورية، والجمهورية اليمنية، والجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى"، ويجمع بينها قيادات تتولى مقاليد الحكم منذ عشرات السنين، فالرئيس اليمني يحكم منذ أكثر من ثلاثة وثلاثين عاما، والليبي تعدى الاثنين وأربعين عاما، والسوري يعد امتدادا لحكم والده حافظ الأسد الذي حكم البلاد منذ عام 1971م واستلمها بشار منذ عام 2000م.
الحكومة السورية تعتمد على حكم حزب البعث واستئصال أي أحزاب أو أفكار مخالفة لتوجهات الحزب، وهو ما أدى إلى الدخول في مصادمات دموية مع المخالفين كان أكثرها دموية مجزرة حماة عام 1982 والتي راح ضحيتها مايقرب من أربعين ألف سوري بعد تطويقها عسكريا لشهر تقريبا وقصفها بالمدفعية والصواريخ.
والحكومة الليبية لم تتورع عن قتل أي معارض لها، بل إنها أقدمت على تصفية ألف ومائتي سجين في سجن أبو سليم عام 1996 بعد ورود أوامر عليا لقوات خاصة بفتح النار عليهم، وهي جريمة بشعة نفذت بحق سجناء عزل خالفوا النظام في الرأي، أو توجّس أنهم يشكلون تهديدا له فكانت النهاية القاسية المرعبة بالخلاص منهم بكل سهولة وكأنهم دجاج على المقصلة وليسوا بشرا، منتهى القسوة من نظام أتى لحماية شعبه فإذا به جزاره.
الحكومة اليمنية اعتمدت أيضا على حكم تغلغل أسريا في كل المؤسسات ذات السطوة بالبلد، فأصبح الابن والأقارب الثقات هم المسيطرون على الجيش والشرطة والمؤسسات الاستراتيجية بل ومقدرات الدولة بكاملها، ويُضرب بيد من حديد كل المخالفين أو المعارضين لتوجهات نظام الحكم!.
الدول الثلاث تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرص على شعبها والعمل من أجل مصلحته، وتتباهى أمام الرأي العام العربي بعروبيتها، وتتبنى دائما النهج الذي يدغدغ مشاعر الشعوب، وفي الوقت نفسه تمارس أقسى أنواع الاضطهاد لشعبها، فـ "لا" لأي رأي مخالف، و"لا" للحرية، و"لا" للديمقراطية، وهكذا عانت شعوب الدول الثلاث مثل العديد من الدول العربية.
الثورات التي اكتسحت الدول الثلاث كشفت زيف ادعاءات هذه الدول فلا هي جمهوريات كما تدعي، ولا هي ديمقراطية كما تتشدق، ولا هي حتى حريصة على أبنائها أو تراب بلدها، بل إن حرصها الأوحد هو على البقاء في الحكم مهما كان الأمر حتى في ظل رفض شعبي لهذا الحكم، ففي ليبيا كان الرد على التظاهرات السلمية المنادية بالتغيير بالصواريخ والقنابل والدبابات والمدرعات، وخيّرهم العقيد بين بقائه في حكم ليبيا أو تحويلها إلى جحيم، وهو مانفذه فعليا وأصبحت ليبيا جحيما لسكانها عقابا على مناداتهم بالحرية والديمقراطية.
وفي سوريا بدأت محاولات الخداع المكشوفة منذ الأيام الأولى للمظاهرات بإعلان الحكومة عن رفع حالة الطوارئ، والإفراج عن عدد من سجناء الرأي، ولكن استمرت حملات القمع والقتل بالعشرات يوميا، وهو ما يؤكد محاولات الحكومة خداع الرأي العام العالمي مع منع تغطية قنوات الأخبار للأحداث ومحاولة إخفاء حجم المجازر الدموية المرتكبة بحق الشعب في القرى والمدن السورية.
وفي اليمن امتد الخداع الحكومي بالموافقة على الحلول المطروحة من أجل إنهاء الأزمة ثم التراجع، وهذا ماحدث ومازال مع الوساطة الخليجية، كلما اتفق الرئيس اليمني على يوم للتوقيع يأتي بمبررات غير واقعية بالمرة حتى لا يوقّع على الاتفاق، وهكذا يوافق في يوم ويتراجع في الآخر حتى ثبت خداعه علانية وعدم موافقته على الحلول المطروحة والتي ليس لها من هدف سوى حماية اليمن وشعبه الذي يفقد العشرات يوميا على يد الأمن والجيش بل وحمايته هو أيضا.
الدول الثلاث أثبتت أن ديمقراطيتها المعلنة والمرتبطة باسم الدولة الرسمي هي ديمقراطيات جوفاء وأن حرصها على العروبة واستعدادها للدفاع عن المقدسات الإسلامية كلها تصريحات زائفة وليست إلا للاستهلاك الإعلامي للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، وإلا فقد كان الأولى بهذه الحكومات وقف نزيف الدماء الذي تقدمه شعوبها والموافقة على مطالب هذه الشعوب بحياة حرة كريمة أو تسليم السلطة في هدوء، فمن لم يكن حريصا على شعبه لن يكون حريصا على شعوب أخرى أو حتى المقدسات.

ليست هناك تعليقات: