الثلاثاء، 17 مايو 2011

الفساد المنظم … له نهاية نشرت بتاريخ 08-03-2011م

الفساد المنظم … له نهاية

نشرت بجريده الرايه بتاريخ8-3-2011

بقلم: سامي زكريا
 كاتب صحفي وباحث مصري
samy583@hotmail.com

نجاح الثورة العظيمة التي قادها شباب مصر أماط اللثام عن كثير من قضايا الفساد التي أنهكت الاقتصاد المصري، وبالتالي تركت أثرها السيئ على المواطن.
قضايا الفساد هذه التي فاجأت الجميع في مصر بأحجامها وأرقامها إذا تتبعناها في كثير من الدول العربية سنجد أنها متشابهة في فساد الزمرة الحاكمة فسادا ليس له نهاية، وهو ماوضح جليا في تونس بعد سقوط بن علي، ومابدأ يتسرب من أخبار الفساد في ليبيا وصل حد إنفاق مليون دولار على مغنية في حفل أقيم لأسرة القذافي استغرق ساعة إلا ربعاً فقط، في وقت يئن فيه المواطن الليبي من شظف العيش مع وجود الثروة البترولية الهائلة.
خلال الأيام القليلة الماضية بدأت تطفو على السطح الجرائم التي ارتكبت بحق الاقتصاد والشعب المصري الذي كان يتندر قبل ذلك ويتعجب كيف لبلد فيه قناة السويس التي تدر يوميا مايقرب من خمسة عشر مليون دولار، كيف لهذا البلد أن يكون مع الدول النامية !!، فماذا نقول إذا كان الدخل اليومي متعدد الاتجاهات سواء من السياحة أو التصدير أوالصناعة والزراعة وغيرها! .
الآن تأكد الشعب أن الحكومة هي المسؤولة عن هذا الفساد بعد أن بدأت المنظمات الدولية في الإعلان عن الثروات التي حققها العديد من المسؤولين خلال السنوات الماضية، فقد ذكرت منظمة النزاهة المالية الدولية -وهي منظمة معنية بالأبحاث والاستشارات مقرها العاصمة الأمريكية واشنطن- أن 57 مليار دولار تدفقت خارج مصر في الفترة ما بين عامي 2000 و2008، وبعض هذه الأموال يعود إلى قادة فاسدين، وهو مايؤكد التشككات التي تناقلها الشعب المصري على مدى السنوات الماضية من فساد وتهريب أموال للخارج ما أدى لاحتلال مصر المركز ٩٨ فى معدلات الفساد على لائحة التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام ٢٠١٠، وتساوت في الترتيب مع بوركينا فاسو والمكسيك، وهي مرتبة متدنية جدا تؤكد تغلغل الفساد في قطاعات كثيرة.
ولنُدلل على حجم الفساد نذكر بعض الأرقام المذهلة ونبدأ بالقيادة حيث بثت وسائل الاعلام أن ثروة الرئيس السابق مابين أربعين مليارا وسبعين مليارا وهو مبلغ مذهل ويؤكد ماكان يتناقله الشعب المصري في التسعينيات أنه من أراد إنشاء شركة أو إقامة مشروع بسيط فلا بد من مشاركة أحد أبناء الرئيس السابق عنوة في هذه الشركة مهما كان حجمها صغيراً أو كبيراً ودون أن يدفع لقاء هذه الشراكة جنيها واحدا، وإلا فالويل والثبور له مع ضياع أمواله التي أسس بها مشروعه، أو يؤخذ منه بأي وسيلة كانت لصالح آخرين بالبلطجة أو بإرهاب الشرطة، أي أن المستثمر أو صاحب المشروع ليس أمامه سوى طريق واحدة لابد أن يسير فيها هي الشراكة.
هناك أيضا اتفاقية بيع الغاز المصري لإسرائيل التي تعد من الاتفاقيات الصارخة الفساد والإجحاف بحق الشعب والاقتصاد المصريين والتي يتضح منها بشكل جلي أن هناك مَن يعبث بثروة مصر القومية التي هي ملك للشعب، ففي هذه الاتفاقية تبيع الحكومة المصرية الغاز بسعر يتراوح بين دولار.. ودولار ونصف الدولار مع أن تكلفة استخراجه تتعدى الدولارين والنصف دولار، أي أنه يباع بخسارة دولار لكل طن غاز يتحمله الشعب المصري، في الوقت الذي يباع فيه طن الغاز بالأسواق العالمية فيما بين اثني عشر دولاراً وأربعة عشر دولاراً وهو تبديد واضح للثروة المصرية لمصالح أشخاص.
وقد وصل الفجور قمته في حماية الحكومة لاتفاق يضر بمصالح شعبها فقد أعلن المهندس إبراهيم زهران خبير البترول أن اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل تهدد الاحتياطي المصري من الغاز، حيث ان التعاقد مع إسرائيل تم على تصدير 18 تريليون قدم مكعبة، بينما تمتلك مصر 28 تريليونا فقط، وليس كما تدعي الحكومة أن الاحتياطي 75 تريليونا، ولذلك أعلن الدكتور يحيى الجمل أستاذ القانون الدستوري أن الحكومة المصرية تخالف بنود الدستور بتصرفها في ثروة البلاد بعيدا عن الرقابة، معتبراً أن تصريحات مسؤولين حكوميين حول "سرية" الاتفاقية الموقعة بين القاهرة وتل أبيب بشأن الغاز مخالفة دستورية كبيرة "لأن ثروة البلاد لا تعرف السرية" وقال إن "الحكومة تدير ثروة البلاد ولكن لا تملكها".
ومع أن الشرفاء في مصر رفعوا قضايا قضت في أحكامها بوقف تصدير الغاز، فقد ضربت الحكومة بأحكام القضاء عرض الحائط !، فلمصلحة من التمادي في ذلك إلا إذا كان هناك مستفيدون وهو ماتأكد أن وراء هذه الصفقة الصديق الشخصي لكبير الدولة في العهد السابق "حسين سالم"، وهو الذي قام أيضا بالاستيلاء على جزيرة يطلق عليها جزيرة التمساح في النيل تبلغ مساحتها أكثر من ثلاثين ألف متر مربع ليقيم عليها فندقاً بعد أن طرد ملاكها منها وإرغامهم على توقيع عقود "هَزَلية" لاتساوي شيئا من قيمة الأرض الحقيقية، ولكن بالتخويف والبلطجة واستغلال سلطات الدولة أجبرهم على التوقيع.
وهناك أيضا أحد الفاسدين والذي أزكمت الأنوف رائحته على مدى سنوات في احتكار الحديد والعبث بمواد البناء وتكوين ثروة طائلة، مع مفاجأة أذهلت الكثيرين خلال الأيام الماضية بتسرب خبر عمله طبالا بفرقة فنية بالملاهي في بداية حياته العملية، فكيف بطبال أن يصل إلى هذا الفجور وتكوين هذه الثروة الطائلة إلا بمساعدة المسؤولين، أم سيتضح بعد ذلك وستكشف التحقيقات والأيام أنه كان الواجهة الأمامية للمفسدين الحقيقيين؟.
هناك أيضا العديد من الوزراء والمسؤولين الذين يتكشف فسادهم الواحد تلو الآخر، فأحدهم يمتلك ثمانية وعشرين قصرا في أرقى الأماكن السياحية مع أنه كوزير لايستطيع براتبه أن يحصل على قصر واحد.. فمن أين له بهذا ؟.
حجم المأساة المترتبة على إساءة استغلال السلطة أو الوظيفة العامة لاينتهي، فقد تحولت الدولة بأجهزتها المختلفة من خدمة الشعب لخدمة زمرة فاسدة، وأصبحت الوظيفة العامة تشريفاً وليست تكليفاً، والطبيعي أن من يُولى أمراً من أمور الدولة أيا كان هذا الأمر سواء في الوظائف القيادية أو الوظائف المعاونة مؤتمن لخدمة الشعب والجمهور وليس العكس، ويعلم أنه مهما طالت فترة بقائه في منصبه أو وظيفته سوف يتركها لغيره، ولذلك يجب أن يسلمها في أتم صورة، أما ماحدث أن من تولى شأناً عاماً اعتقد أن الأمر تشريف له، وهذا الجمهور في خدمته، فانقلبت القاعدة رأساً على عقب، فأصبح الشعب في خدمة الشرطة وليست الشرطة فقط بل أصبح الشعب بأكمله في خدمة النظام، يذهب نتاج عمله وغرسه في كل الميادين للمسؤولين الذين من المفترض أنهم ولوا لحماية هذا الشعب، فإذا بهم ينغلقون لحماية أنفسهم لتتضخم ثرواتهم لأرقام خيالية، كان من الواجب أن تكون لنهضة هذا المجتمع في مستشفيات تقام وطرق تمهد ومدارس للعلم وجامعات للمستقبل ومصانع ومزارع وغيرها.
مايجب ملاحظته من قبل كل الحكومات القادمة في ظل التغيرات السياسية المتلاحقة في مصر وغيرها من الدول العربية أنه إذا أراد الشعب القضاء على الفساد بكل صوره، فالواجب على الحكومات أن تعاونه في ذلك فالشعب يستطيع مقاومة الرشوة ورفض الابتزاز، ولكن السلطة يجب أن تكون مراقبة لسلوك القائمين عليها فلا استغلال للمال العام ولالتوزيع الأراضي أو أملاك الدولة دون وجه حق – والتي وصلت في العهد السابق لتطال أراضي الوقف-، ولا للمناصب والوظائف للمقربين، وهذا لن يتأتى إلا بوجود جهاز قضائي له استقلاليته الكاملة ويمتلك جميع السلطات لمحاسبة المفسدين وتتبع سلوكهم ومحاكمتهم وإبراز وتفعيل قانون"من أين لك هذا" فكم من قضايا رفعت، ومستندات ووثائق تؤكد الفساد قُدمت، ولكن الحكومة كانت دائما سيدة قرارها، ولايستطيع أحد محاسبتها. الفساد لابد له من وقت لإيقافه والأمل قائم أنه لن يكون كما كان قبل ثورة 25 يناير في مصر أو غيرها ولذلك فإن التطهير مسؤولية المجتمع بأكمله، وعلى الحكومات القادمة أن تضرب بيد من حديد بؤر الفساد في أي مكان وعلى أي مستوى، وليكن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما أهلك من كان قبلكم انه كان إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإذا سرق فيهم الشريف تركوه وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" وهو نبراس يجب أن يوضع في كل المؤسسات والمصالح العامة في شتى الأقطار العربية، ليوقظ الضمائر بأن معاقبة المسيئين هو الضمانة الوحيدة التي تمنح الأمان للجميع، وبأن كل صاحب حق سيحصل عليه، وكل مسيء سيعاقب مهما كانت مكانته أو منصبه، ولذلك فإن المؤشر على الحقبة القادمة سيكون دلالته ما ستقوم به الحكومات من إحقاق للحق ومعاقبة المخطئين، لأن الفساد المنظم الذي استشرى في كثير من جنبات الأمة العربية يجب أن تكون له نهاية.

ليست هناك تعليقات: