الثلاثاء، 10 مايو 2011

رئيس سابق نشرت بتاريخ 17-04-2011م


رئيس سابق نشر بجريدة الراية القطرية بتاريخ17-04-2011م




بقلم: سامي زكريا
تاريخ نشر الخبر
       الأحد 17/04/2011
كاتب صحفي وباحث
samy583@hotmail.com
شاءت الأقدار أن يكون عام 2011 هو عام المفارقات والمفاجآت، بل سيكون عاما تردده الأجيال المقبلة، وتدرسه المناهج الدراسية، ويسجله التاريخ كعام فارق بكل ماتحمله الكلمة من معنى، بين حقبة كان لايستطيع أحد ذكر بعض القيادات والرموز في بلده إلا بما يرضيها، وحقبة جديدة يتحدى فيها كل شيء حتى القيادات؟.
هذه القيادات التي تعارف الناس على أن من وصل منها إلى سدة القيادة في أي منصب فإنها تظل لاصقة به حتى الوفاة، فلا يستطيع أحد زحزحته عن الكرسي الوثير الذي صعد إليه، ولايكتفي بذلك بل يسعى بكل السبل لأن يورثه لأبنائه، وكأن المنصب أصبح ضمن تركاته.
منطقة الشرق الأوسط والدول النامية عموما تعودت على الرئاسة الأبدية التي تنتهي بالوفاة أو بانقلابات عسكرية دامية، ولذلك فإن أي رئيس يصل إلى سدة الحكم تقوم الآلة الإعلامية الموجهة في خدمته بعملها الذي لايمل ولا يكل حتى يسيطر على أذهان قومه بأنه الأب والمخلص وبدونه ستؤول الأمور للأسوأ فتنطبع الرسالة على قلوب الضعفاء مع السيطرة الأمنية على المفكرين والشرفاء.
ماحدث بمصر لم يكن بالخيال أن يتم بهذا الشكل الذي تابعه العالم بأكمله، فقد كانت أقصى الأمنيات منذ عدة أشهر فقط مجرد إجراء تغيير وزاري يزيل بعض الوزراء ويأتي بغيرهم على أمل تحريك الوضع الراكد في كل المناحي، ولكن شاءت الأقدار أن تتطور الأمور يوما بعد آخر حتى إسقاط النظام بأكمله، فإذا برئيس يترجل كرسيه مكرها ومجبرا تحت هبة جماهيرية غير مسبوقة، ويصبح رئيسا سابقا، ثم يوضع تحت الإقامة الجبرية، ثم يحدث مالم يكن متصورا أن يقدم للمحاكمة.
أمران جديدان على منطقتنا، رئيس سابق، ويقدم للمحاكمة، قد يكون مقدمة وصورة عملية لمن يتقلد هذا المنصب بعد ذلك بأن الرئاسة لم تعد أبدية وأنه محاسب يوما ما على إدارته شؤون الحكم وعليه أن يتوخى الحذر في تعاملاته حتى لاينحدر سلوكه فيقدم لمحاكمة تسيء إليه ولأسرته وتاريخه بعد ذلك.
كثيرون هم الرؤساء أو رؤساء الحكومات الذين خدموا في الدول الأوروبية وأمريكا وغيرها ثم أصبحوا رؤساء سابقين، وتمنينا يوما في منطقتنا أن ينهي رئيس فترته بكل نزاهة، ويصبح رئيسا سابقا، فكم أحترم الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر وهو يقوم بدور إنساني هنا وهناك وحصل على جائزة نوبل لقيامه بدور رائد في حل العديد من القضايا الشائكة، وكم أقدر المشير عبدالرحمن سوار الذهب الذي سلم القيادة راضيا ويؤدي دوره الإنساني على أكمل وجه بقيادة منظمة الدعوة في السودان وأدغال أفريقيا.
رئيس سابق يعد شرفا لمن أدى دوره في خدمة بلاده ثم سلم القيادة لغيره فهي وظيفة مثل كل الوظائف التي تمنح لأبناء الوطن، بل إن عبء هذه الوظيفة ومسؤوليتها أكبر من أي عبء آخر، لأنه مسؤول عن كل أبناء شعبه في كل مكان، ولذلك فإنه يجب أن يكون سعيدا بانتهاء فترة ولايته وخدمته لشعبه، فقد شاهدنا الرئيس البرازيلي السابق لولا دي سيلفا كيف قاد بلاده للديمقراطية والتطور خلال حكمه، وطالبه البعض بتغيير الدستور للبقاء في السلطة ولكنه أبى أن يخون ما التزم به من واجب احترام الدستور وسلم السلطة وهو في أعلى شعبيته.
مانديلا هذا الرمز الأفريقي الأصيل الذي ظل في سجون الحكم العنصري لجنوب أفريقيا ربع قرن من الزمان، فما تبدلت آراؤه ولاتغيرت مبادئه، ولم تغره سلطة، عندما استلم القيادة في بلده محررا، طبق الديمقراطية والتزم بها ورفض أن يظل على رأس الحكومة، ولو أراد لاستمر إلى وفاته ولكنها الإرادة النقية التي تسعى لمصلحة بلدها، فكان له حب العالم أبقى من سلطة منتهية لامحالة.
كم أتمنى أن أقابل رئيسا سابقا وهو يمشي في الأسواق، ويؤدي واجباته العائلية كمواطن عادي بعد أن يكون قد أدى دوره، وليس لديه ما يخفيه ويخيفه من أن يكون رجلا وفردا عاديا من أبناء الشعب، يعيش حياته بكل مافيها بلا حراسة ولا خوف، لأنه أدى ماعليه وسلم الأمانة لغيره يواصل المسيرة، ويعيش هو رئيس سابق يحترمه ويجله أبناء شعبه بل والعالم أجمع.
أرى أن مايحدث الآن بمصر العروبة لو استمر بنفس النهج والشفافية سنرى أويرى أبناؤنا وأحفادنا هذا اليوم الذي يكون فيه بينهم "رئيس سابق" استلم وسلم الأمانة وعاش بقية حياته معززا مكرما بين أسرته وأهله وبلده وجلّه العالم بأسره.
http://www.raya.com/articles/rayaforum/Pages/2011-4-17-651.aspx














ليست هناك تعليقات: