الجمعة، 13 مايو 2011

قدر الجزيرة .. أن تكون رائدة نشرت بتاريخ 22-03-2011م

قدر الجزيرة .. أن تكون رائدة     نشرت بجريدة الراية بتاريخ22-03-2011م
بقلم: سامي زكريا
 كاتب صحفي وباحث
  

قُدّر للجزيرة منذ انطلاقها بين عشرات القنوات الإخبارية أن تحلق عالياً في سماء الحرية الممنوحة لها، وتغرد وحدها مُتفردةً بسبقها الصحفي وتقنياتها العالية وجرأتها غير المسبوقة في محيط الإعلام العربي.


الجزيرة منذ تدشينها في عام 1996م سطرت لعهد إعلامي جديد اعتمد على الواقعية في الطرح واحترام العقل العربي، مع التزامها بأدبيات وميثاق شرف فرضته على نفسها، لذلك تركت بصمتها السريعة لدى المشاهد الذي وجد لأول مرة وسيلة إعلامية عربية، ذات نهج مميز يختلف كليا عما تعود عليه، من نهج إعلامي يمجد الحكومات ليل نهار، وإذا ما أراد التغيير لوسيلة إعلامية تبث من دولة أوروبية فإنه يواجَه بأخبار صيغت لخدمة مصالح تلك الدول وتحقيق أهدافها المختلفة عن قناعاتنا.


وعلى الجانب الآخر ووجهت الجزيرة بعنف ونقمة من قبل السلطات في العديد من الدول مع زمرة المستفيدين لأنها حركت المياه الراكدة وكشفت الكثير من المخبوء على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.


لقد عانت الجزيرة كثيراً من انتهاجها الطرح الإعلامي الحر المؤيد للحق، ونافست العديد من القنوات الإخبارية المعروفة مثل الـ "سي إن إن" وغيرها من القنوات، بل وفاقتها في كثير من التغطيات الحية ما أدى بهذه القنوات لعقد اتفاقيات مع الجزيرة.


وليس ببعيد عنا آداؤها المميز بأفغانستان الذي أجبر كل قنوات العالم ووكالات الأنباء على النقل عنها، لدورها في إظهار الجرائم المرتكبة بحق المدنيين من قبل قوات التحالف، وكان لنقلها الحي وتقاريرها الميدانية للأحداث التأثير الكبير على الرأي العام الدولي، لذلك تعمد الطيران الحربي قصف الجزيرة ومكاتبها هناك لمرات عدة قدر للصحفي المميز تيسير علوني أن ينجو منها ليواصل إرسال تقاريره .


ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قُدر للجزيرة أن تُهاجَم كثيراً في معظم الميادين التي تخوض فيها حرباً لاتقل شراسة عن الحرب العسكرية ألا وهي معركة إظهار الحقائق، فقد هوجمت في العراق لآدائها المميز هناك وكان الثمن من دم أبنائها "الشهيد طارق أيوب"، بل وصل الأمر للتفكير في قصف مقر الجزيرة من قبل قوى وجدت أن الجزيرة تؤرقها لإظهارها حقائق لاتريد هذه القوى إظهارها، وهوجمت من قبل العديد من الحكومات العربية وأغلقت مكاتبها وتم التعدي في الكثير من الأحيان على مراسليها كما حدث في بداية ثورة الشباب المصرية مع الصحفي المتميز "أحمد منصور" ولكن مع كل هذه التضييقات من قبل الحكومات والسلطات فإن الشعوب كانت في النهاية تحملها على الأعناق حباً وشكرا.


أحدث هجوم على الجزيرة كان من العقيد القذافي الذي هدد وتوعد فكان استشهاد المصور علي حسن الجابر ليقدم روحه الطاهرة ثمنا للحرية التي تؤيدها الجزيرة وترفع لواءها، ليكون مثالاً حياً على مهنيتها ومعاناتها وماتلاقيه من صعوبات لأجل كشف الحقائق للشعوب.


علي الجابر تشوق للشهادة سعيداً ومتسرعاً ومتلهفاً للقيام بواجبه في حمل الكاميرا ليكون عيناً على ماتشهده ربوع ليبيا من حراك، ليشارك أهلها التغيير المطلوب بعد أن علم أن الثوار الذين يحملون مشعل التغيير يتناولون حبوب الحرية والشجاعة وليست حبوب الهلوسة كما يدعي القذافي ونظامه، فكانت كاميرته سلاحاً خاف منه المتربصون الذين يهابون إظهار الحق وكشف الحقيقة، فكان التهديد والوعيد، ثم التنفيذ على يد من تمرأوا الحياة في الظلام كالخفافيش، يمتصون الدماء ويحيون حياة الموتى.


أما علي الجابر فكان يؤدي عمله ويحمل كاميرته بكل حب، يجوب الميدان كفارس مغوار، ويقدم الصورة خلف الصورة، ويبحث عن التقارير التي ستزود بها الجزيرة مشاهديها، فكانت انطلاقته الأخيرة لمقبرة الشهيد عمر المختار الذي لقي ربه في سبيل الحرية لأبناء شعبه في عام 1931 بعد أن قدم التضحيات وحمل لواء الجهاد ضد المستعمر الإيطالي، ويالها من فارقة أن يهب الشعب الليبي للخلاص من الطغيان الذي يمارس عليه من بعض أبنائه، فيستشهد المئات ومعهم يجسد الجابر الدم العربي الواحد وفي أقدس البقاع الليبية مرقد شيخ الشهداء وأسد الصحراء عمر المختار، لتكون آخر صوره الملتقطة في هذا الميدان الملهم للشعب الليبي والشعوب العربية عامة.


إن دماء الشهيد علي حسن الجابر التي اختلطت مع دماء إخوانه في ليبيا لهو خير دليل على ماتقدمه الجزيرة وقطر بقيادتها الرائدة من دعم وصل إلى تقديم الدماء التي هي أرقى أنواع الدعم، في سبيل حرية الشعوب العربية، إنه قدرها أن تكون في مقدمة الصفوف، وستظل العدسة التي تركها الجابر عينا للجزيرة تنقل بها الحقيقة للشعوب العربية.


هنيئاً لقطر بقيادتها التي ارتقت بالمواطن والمقيم على أرضها الطاهرة، وهنيئاً لها شجاعتها في نصرة الحق أينما كان وهنيئاً للشهيد علي حسن الجابر الشهادة التي وعد الله أصحابها بالخلود في جنة الخلد «ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون» صدق الله العظيم.
   

ليست هناك تعليقات: