الأحد، 29 مايو 2011

الحرج الباكستاني نشرت بتاريخ 29-05-2011م



الحرج الباكستاني               نشرت بجريدة الراية القطرية الأحد 29/05/2011

  بقلم: سامي زكريا
 كاتب صحفي وباحث مصري
  Samy583@hotmail.com



الأشهر الأولى من عام 2011م تمثل ظاهرة تحتاج بحثاً ودراسة، لتلاحق الأحداث خلالها بشكل يدعو للتأمل، لأن مفاجآت ماحدث استدعت من الذاكرة أحداثا مرت عليها سنوات، وقد تكون ذاكرة العديدين تناست أمرها مع نضج جيل جديد أصبح في ريعان شبابه حدثت هذه الأمور وهو صغير لم يكن يدرك ماحوله.
على رأس هذه الأحداث تأتي الثورات في بعض الدول العربية التي عانت شعوبها من القهر لسنوات اعتقد الجميع أن السكون تحول إلى خضوع جرّأ القيادات الفاسدة لهذه الدول على ارتكاب المزيد من الحماقات التي عجلت بثورات قالت لا للظلم، ورفعت الأفواه الصامتة لسنوات حناجرها منادية بتغيير أفضى لتحقيق جزء من هذه الأهداف بقيادة هؤلاء الشباب الذين عاصروا الظلم صغارا وشبابا، فأبوا أن يقنعوا ويخضعوا فثاروا وأزالوا الطغيان والفساد ومازال التغيير العربي مستمرا للوصول للحرية المبتغاة والحياة الكريمة.
ومن هذه الأحداث التي شهدها هذا العام الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في الثاني من هذا الشهر ليشكل مفاجأة مدوية بعد سنوات طوال من المحاولات الأمريكية الفاشلة اعتقد العالم خلالها أن الوصول إليه من المستحيلات نظرا لذكائه وحرصه الشديدين.
أحداث 11 سبتمبر والتي اتهمت فيها القاعدة بتدمير برجي التجارة العالميين ومقر وزارة الدفاع الأمريكية مثلت للولايات المتحدة صدمة كبيرة، بل وصفعة مؤلمة في أوج عنفوانها، نظرا لتدمير منشآت تمثل بالنسبة لها رموزا تجارية واقتصادية، ومقتل المئات من المدنيين، ما جعلها تتحرك بمنطق الأسد الجريح الذي يريد استرداد كرامته، فكانت القسوة في التعامل الدولي ما عجل بضرب أفغانستان بذريعة القضاء على الإرهاب، ومن ثم غزو العراق، وكلها كانت تداعياتها كارثية على شعبي الدولتين بل وشعوب العديد من الدول التي تأثرت بهذه الحروب التي لم يكن وراءها سوى استعادة الكرامة والهيبة لقوة عظمى.
من الدول التي تأثرت بشدة بالتحرك العسكري الأمريكي والدولي بحجة مكافحة الإرهاب كانت باكستان فهي دولة ذات موقع استراتيجي في المنطقة ولها حدود طويلة مع أفغانستان يصعب السيطرة عليها، بالإضافة لوجود قبائل مشتركة تتخطى الحدود ذهابا وإيابا، ومِن قبل كانت السند الرئيسي للمقاومة ضد الغزو السوفييتي السابق لأفغانستان الذي استمر عشر سنوات "من عام 1979حتى عام 1989"، فكانت التحركات العسكرية والدعم عبر الحدود شيئا طبيعيا حتى وصلت بها الأمور أن تصبح وسط المعركة الدائرة بدواعي مكافحة الإرهاب.
القيادة الأمريكية ظلت تلاحق بن لادن للانتقام منه على خلفية اتهامه بقيادة القاعدة والضلوع في أحداث 11سبتمبر، تارة تنفي باكستان وجوده على أراضيها وتارة أخرى يأتي النفي أفغانيا، حتى إذا ما أعلن عن مقتله هللت كابول فرحا بعدم وجوده على أراضيها واتهمت شقيقتها باكستان بإيوائه بل وإيواء الإرهابيين أيضا.
باكستان وقعت بين فكي كماشة إذن، اتهام أفغاني بزعزعة أمنه وإيواء الإرهاب، فإذا ما كانت تعلم بوجوده على أراضيها فعلا فإن الإتهام نفسه سيكون أمريكيا أيضا، وبذلك يزداد الضغط عليها وتقترب المسافات أكثر في العلاقات بين واشنطن ونيودلهي مما يسهل على الهند الحصول على صفقات السلاح التي تطلبها والتي كانت تعترض عليها دائما باكستان بالإضافة للمكاسب الدولية التي تحصل عليها نيودلهي جراء ذلك.
وفي الداخل الباكستاني أصبحت الحكومة في موضع الشبهات بعد الإعلان عن مقتله سواء كانت على علم بوجوده فالاتهام الشعبي بالتفريط في ضيف والسماح لقوات أجنبية بالتعدي على حرمة الأراضي الباكستانية وتنفيذ عمليات عسكرية، وإذا لم تكن تعلم بوجوده كما تدعي وتم قتله فإن الإدانة الشعبية تظل على قوتها بالتساؤل عن كيفية تنفيذ عملية بهذه الدقة بلا علم الحكومة والجيش فأين وجودهما؟.
السيطرة على قاعدة بحرية باكستانية من قبل القاعدة خلال الأيام الماضية وتدمير قطعتين حربيتين من أصل ثلاث قطع من هذا السلاح يمتلكها الجيش الباكستاني، ومقتل العشرات خلال استعادة القاعدة البحرية من قبل الجيش الباكستاني، والتفجيرات العديدة التي تقتل العشرات من أبناء الشعب الباكستاني انتقاما لمقتل بن لادن هي تصرفات خاطئة في كل الأحوال فمن سيدفع ثمنها هو الشعب الباكستاني من ماله ودماء أبنائه، وما انسحاب بعض الوحدات الأمريكية وتقليص عددها بطلب من الحكومة الباكستانية سوى جزء من تداعيات الإعلان عن مقتل زعيم القاعدة على الأراضي الباكستانية فسواء علمت الحكومة بالعملية أو لم تعلم فإنها وضعت بين فكي رحى وأصبحت في حرج شديد سواء في الداخل أمام شعبها أو في الخارج أمام واشنطن وربما تكشف الأيام المزيد عن ماحدث وماهي الحقيقة الكاملة التي ربما لم تعلن بعد؟.

ليست هناك تعليقات: