الجمعة، 20 مايو 2011

دوللي والبحث العلمي الإسلامي نشرت في 2003م

 
دوللي والبحث العلمي الإسلامي                نشرت بجريدة الراية القطرية في عام 2003م
  بقلم: سامي زكريا
 كاتب صحفي وباحث
  Samy583@hotmail.com

ست سنوات فقط بين ولادتها ووفاتها، وبين الميلاد والوفاة لاقت كل عناية ورعاية من قبل الأطباء والعلماء، بل إنها وجدت عناية غير مسبوقة من قبل أجهزة الإعلام بوسائلها المتعددة المقروءة والمسموعة والمرئية.
إنها النعجة دوللي التي نقل خبر نفوقها قبل أيام مع ذروة المتابعة الإعلامية للحشد الأمريكي البريطاني المتطلع لغزو العراق والمظاهرات الشعبية العارمة التي عمت العالم شرقاً وغرباً رافضة ما يبيت للمنطقة من خطط تداعياتها قد تمتد لعشرات السنوات.. ولذلك طغت على خبر نفوق النعجة المستنسخة.
ويعود الاهتمام بالنعجة دوللي إلى عام 1996 عندما أعلن عن استنساخ أول حيوان ثديي في العالم في الخامس من يوليو وهو الأمر الذي أثار انقساماً بين رؤى الناس.. فمنهم من أيد ومنهم من عارض تخوفاً من أن يتطور الأمر إلى محاولة استنساخ الإنسان، وهو ما تم الإعلان عنه بعد ذلك وأثار رفضاً كبيراً لأنه يدخل في باب العبث بالكائن البشري الذي كرمه الله سبحانه وتعالى ولقد كرمنا بني آدم.
وأصدر مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف فتوى تشدد على أن الاستنساخ يعرض الإنسان الذي كرمه الله لأن يكون مجالاً للعبث والتجربة وإيجاد أشكال مشوهة وممسوخة وأن الإسلام لا يعارض العلم النافع بل يشجعه ويحث عليه ويكرم أهله.
أما العلم الضار الذي لا نفع فيه أو الذي يغلب ضرره على نفعه فإن الإسلام يحرمه ليحمي البشر من أضراره.
وذكرت الفتوى أنه يجب التفريق بين الاستنساخ واستخدام الهندسة الوراثية في النبات والحيوان لإنتاج سلالات قيمة ونافعة وكذلك في علاج الأمراض. بل إن بابا الفاتيكان- أيضاً- استنكر استنساخ البشر، وهو الأمر الذي يؤكد أخلاقيات العمل العلمي التي يجب أن تكون لها محاذيرها والتي تبرأت منها كل الأديان، ولكن الجموح العلمي فاق كل التوقعات الأمر الذي يجب أن نتنبه له لأنه قد يكون المؤدي إلى نهاية العالم إذا لم يتوازن التطور العلمي مع الأخلاق.. يقول تعالى "حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازيّنت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس" يونس: 24.
والسؤال الذي يجب أن نوجهه لأنفسنا هو أين دور العالم الإسلامي في هذا التقدم العلمي الهائل؟، تقدم علمي في استخدام الهندسة الوراثية أوصل إلى الاستنساخ.. تقدم مذهل في وسائل الاتصال.. تقدم في مجالات عديدة يخطو بها العالم خطوات في شتى المجالات وبالتالي المجال العسكري الذي يفرض الآخرون سطوتهم علينا به.
فأين دورنا نحن مما يحدث حولنا من طفرات علمية متقدمة؟.
وللإجابة على هذا التساؤل نورد هنا عدة نقاط مهمة يجب التنبه لها..
أولاً: يجب التنبيه إلى أنهم ينفقون أضعاف ما ننفق في مجالات البحوث العلمية التي تعدها الكثير من حكوماتنا الإسلامية مجال ترف لا يجب الوقوف أمامه كثيراً مع أنه الدافع الأول للتقدم، وللتدليل على ذلك من الإحصائيات العالمية نجد التالي:
- نسبة الإنفاق على أنشطة البحث العلمي في عالمنا العربي مثلاً سجلت انخفاضاً من نسبة 0.3% في المائة عام 78م إلى حوالي 0.15% في المائة في السنوات الماضية أي أنها انخفضت إلى النصف تقريباً، وهي نسبة متدنية جداً إذا ما قورنت بنسبة 2.5% في الدول المتقدمة أي أن ميزانية البحث العلمي لديهم تفوق 25 ضعف ميزانية العالم العربي، بل إن هذه الميزانية إذا قيست بميزانية البحث العلمي في إسرائيل وهي في صراع معنا يستدعي زيادة ميزانياتنا عنها تجدها تنفق 4% أي تزيد بحوالي 39 مرة عن ميزانياتنا، وها هي كوريا الجنوبية تنفق 5% أي تزيد 49 ضعفاً عنا، والفارق بيننا وبينهم في الإنفاق خير دليل.
وهذا الفارق يتسع على نحو هائل إذا نظرنا إلى القيمة الإجمالية المطلقة للميزانيات الحكومية فنجد أن 2.5% من ميزانية دولة متقدمة قد تتجاوز كامل ميزانية دولة نامية ومنها دولنا العربية، وبالمقارنة نرى أن ميزانية دولة قطر على سبيل المثال وهي دولة متقدمة بمواردها وإمكانياتها قياساً بدول عربية أخرى بلغت ميزانيتها 18 ملياراً و207 ملايين ريال عن السنة المالية 2002-2003 وهو مبلغ يقل بكثير عن 1% من ميزانية حكومة الولايات المتحدة، فالميزانية الحكومية الأمريكية تبلغ 2.23 تريليون دولار لسنة 2003 أي 2230 مليار دولار نجد أن 1% منها يبلغ أكثر من 22 ملياراً وبالتالي فإن انفاق 2.5% على البحث العلمي يعني 55 مليار دولار في السنة الواحدة وهو مبلغ كبير يتعدى إجمالي ميزانيات عدد من دولنا الإسلامية.
ثانياً: عدم العناية والرعاية بعلمائنا أدى إلى هجرة الكثير من هذه العقول والأسماء كثيرة فإن كان أولهم فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن وقائد الفريق العلمي لبعثة أبوللو التي هبطت على سطح القمر فإن أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء ليس آخرهم بل إنه لا يخلو مصنع أو مؤسسة علمية من وجود عالم عربي أو مسلم بها بل في معظم الأحيان يكون هو الباحث الأول.
وهذا يؤكد لنا أن الكفاءات العلمية موجودة ولا تحتاج إلا إلى الاستقرار والعناية بها.
ثالثاً: مصادر تمويل البحث العلمي من الممكن عدم الاعتماد على الحكومات في كامل المبالغ المطلوبة له.. ولكن يجب أن يكون هناك وعي وطني لدى الشعوب الإسلامية بأهمية التبرع لهذا الجانب المهم، كما يجب أن تخصص الشركات والمصانع والمؤسسات جزءاً من أرباحها للبحث العلمي حتى لو كان تحت إشرافها، وفي ميادينها المتخصصة لأن العائد سيعود بالنفع على الجميع، وهو ما أكده الدكتور فاروق الباز بقوله: إن كل دولار ينفق على البحث العلمي في أمريكا يوفر 140 دولاراً- لأنه بالإنتاج الوطني يقل الاستيراد ولا يكون هناك مجال لفرض الشروط- ولهذا اقترح الدكتور الباز تحصيل دقيقة على فاتورة التليفون المحمول لتدخل لدعم البحث العلمي والتي وجد أنها لو تمت ستؤدي لتحصيل 20 مليون دولار سنوياً في مصر وحدها.
ويقتضي الأمر كذلك تطوير صيغ التنسيق العملي بين جامعاتنا العلمية بكوادرها وعلمائها وبين مؤسساتنا الإنتاجية لتحقيق بحوث علمية تطبيقية أصيلة ذات نفع متبادل.
رابعاً: التطور والتقدم العلمي واجب ديني أيضاً نثاب جميعاً بالعمل أو المساهمة فيه لأن ديننا يحض على العلم والعمل، والتخلف عن ركاب الحضارة لن يرحمنا في الدنيا بتكالب الأمم الأخرى علينا، ولا في الآخرة لأننا أهملنا جانباً مهماً في ديننا وحياتنا كما أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة.
فهل آن الأوان لننتبه لأهمية البحث العلمي؟


ليست هناك تعليقات: