الثلاثاء، 10 مايو 2011

نحتاج ثورة في السلوك نشرت بتاريخ 10-04-2011م


نحتاج ثورة في السلوك


نشرت المقالة بجرية الراية القطرية بتاريخ 10-04-2011م 
بقلم: سامي زكريا
 كاتب صحفي وباحث مصري  
  Samy583@hotmail.com
رياح التغيير التي هبت على المنطقة العربية، اقتلعت أعتى حكومتين هما المصرية والتونسية، ومازالت هذه الرياح عاصفة في كل من ليبيا واليمن وسوريا، ولكن مع وجود المصدات التي استعدت بها حكومات أخرى فإنها سابقت الزمن في الرضوخ لطلبات الجماهير وفتح نوافذ جديدة لشعوبها ماكان لها أن تفتح أبدا، في ظل الأوضاع التي كانت سائدة قبل بدء الثورات الشبابية، وأصبحت نسمات الحرية ليست ببعيدة عن الإنسان العربي.
الإنسان العربي فَرضت عليه العديد من الحكومات نظامَ حياة يقترب كثيراً من آلية عمل الآلة التي تبرمج على أداء مهمة ما فلا تخرج عنها، وهكذا تعود الإنسان على صفات وسلوكيات لم تكن في الأجيال السابقة، ومع مرور السنوات أصبح كما يريده المسؤولون، ذلك المستكين الذي يحيا يومه في دائرة لايستطيع الفكاك منها كالآلة تماما.
هذه السلوكيات التي عاشها الإنسان العربي يسابق الزمن من أجل أن يسد رمقه وأسرته، جعلته يفقد كرامته بفتح درجه لينهي معاملة، أو ينافق رئيساً، أو يُجلد في مركز شرطة، ولا يستطيع أن يفعل شيئاً سوى أن يحيا بلا مبالاة، فلم يعد لديه احترام لأي نظام، سواء كان إشارة مرور، أو تعاملا مع الآخرين أو حتى احترام السلوك الذي يمليه عليه ضميره ودينه في الطريق، وانعكس كل ذلك حتى على بيته في التعامل مع أبنائه وأهله.
هذه السلوكيات رأيناها إيجابية في ميدان التحرير بمصر، في سمو احترام الإنسان لأخيه الإنسان، بل واحترامه للبيئة، فرأينا كيف قام الشباب بتنظيف المكان الذي أقاموا فيه عدة أيام، ثم تجميله بعد انتهاء غرض وجودهم في الميدان، وهي السلوكيات البديعة التي أعطت وهجاً للعالم كله برقي السلوك الإنساني لهؤلاء الشباب، فأصبحوا مثلاً وقدوة بشهادة قيادات العالم أجمع، وهي كلها شهادات تؤكد السلوك الإيجابي للشباب .
ما شاهدناه في ميدان التحرير يجب أن تظل روحه سائدة بين الجميع من أجل الوصول إلى المبتغى من هذه الثورة، بإقامة دولة تجمع الجميع تحت جناحيها في ظل الحرية والعدل وحقوق الإنسان، وهذه من أهم المبادئ التي يجب أن تغرس في وجدان كل حريص على بلده، فلن تقام دولة متقدمة وحضارية في ظل نفي الآخر أو عدم قبول وجهة النظر الأخرى.
الدين الإسلامي الحنيف من أرقى الأديان التي تحترم الإنسان أياً كان اتجاهه أو دينه، فقد وقف الرسول صلى الله عليه وسلم لجنازة، فقيل له يارسول الله إنها ليهودي، فقال عليه الصلاة والسلام: أليست نفسا، وكثيرة هي الأدلة من تراثنا في احترام الآخر حتى لو كان مخالفاً في الديانة، فكيف ننفي الاتجاه الآخر وهو مخالف في الرأي فقط ويصلي ويؤدي واجبه، كيف أجرؤ على الإساءة إليه بل والإشارة إليه بالرحيل؟!.
السلوك شيء مختلف لأنه هو الأساس، فالمظاهر زائلة، والادعاء بالإحاطة بكل شيء غير واقعي، فلا يجب أن تكون المظاهر والشكليات هي الأساس في التأثير، فقد ولى هذا الزمن، وعندنا في تراثنا أنه ماوقر في القلب وصدقه العمل حتى في الإيمان، فلماذا لا يكون ماوقر في القلب وصدقه العمل في كل حياتنا؟.
ثورة السلوك التي يجب أن تبدأ ليست ثورة عادية بكل المقاييس، لأنها تحتاج لسنوات من أجل جيل قادم يعرف كيف يحترم الآخرين، ويحترم حتى الكائنات الأخرى والبيئة التي يعيش فيها، وهذه تبدأ بالتعليم، فقد بدأت اليابان التغيير بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية عام 1945 بتغيير المناهج التعليمية وشاهدنا كيف أصبح الياباني في العالم راقيا في سلوكه مبدعا في عمله، ولنا أن نمعن النظر في إعلان اليابان عام 2000 أن من لا يستطيع التعامل مع الكمبيوتر ولايعرف لغة أجنبية يعتبر في نظرهم أمياً، ولن أتحدث عن حجم الأمية في وطننا العربي وهي ما زالت أمية القراءة والكتابة.
إذا كان التعليم هو الأساس في الأمل بتغيير سلوكيات الإنسان، فإنه بلا شك هناك وسائل توجيه حالية يجب أن نبدأ بها، وهي تغيير الموجهات الإعلامية بما يخدم الرؤية المنشودة للإنسان العربي في السنوات المقبلة، فالصحافة والتليفزيون والانترنت نستطيع الاستفادة منها في مرحلة التغيير الواجب إتمامها للسلوكيات، بالإضافة لتغيير الخطاب الديني للجانب العملي مع الروحي وأن يقوم به متخصصون موثوق في علمهم ورسوخهم وإخلاصهم وليس في شكلهم .
المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية والإعلام بشتى صوره ودور العبادة هي الأساس الذي يجب أن يوجه لخدمة هذه الأمة، من أجل تغيير إنسانها لسلوكيات سامية، تؤثر على الآخرين باحترام الآخر ورقي السلوك، وبهذا فقط نستطيع البناء، فلم يعد العالم يأخذ بالشكليات، فيوم تَحترمَ الصغير قبل الكبير، والعاملَ قبل الرئيس، وتكونَ قدوة في السلوك السامي مع المحيطين بك مع الحرص على العمل في عدم وجود رقيب إلا من ضميرك وخوفاً من الله فقط، وقتها تَستطيع أن تقول إن سلوكياتي لبنة في بناء الأمة، وإلا فأنت تهدم بنيانها .. فهل تتفقون معي؟.

ليست هناك تعليقات: