الثلاثاء، 17 مايو 2011

تونس قادت القاطرة ومصر على الطريق نشرت بتاريخ 01-02-2011م

تونس قادت القاطرة ومصر على الطريق
نشرت بجريدة الراية بتاريخ 1 فبراير 2011م
  بقلم: سامي زكريا
 كاتب صحفي وباحث
 Samy583@hotmail.com     

الأحداث التي فاجأت العالم العربي، بل والعالم أجمع في منطقة معلوم عنها أنها محكومة بيدٍ ليست من حديد فحسب، بل بيد أشد من الفولاذ، تثبت أن الإنسان العربي مازالت عزته وكرامته تعلو كل مطالبه الأخرى، قد يتحدث البعض عن ثورة بطالة أو ثورة فقراء، ولكني أراها ثورة ضد القمع وكبت الحريات والفساد وعلى رأس كل هذا هي ثورة كرامة.
الإنسان التونسي عرفته عن قرب صاحب نفس أبية، نشأ على حب بلده ودينه، تفرحُه كلمة طيبة، ويُسعده أن يؤدي شعائر دينه بكل حرية، فتجده كأنه وجد كنزا ثمينا، فإذا ماكانت تونس يطلق عليها الخضراء فإن التونسي أشد اخضرارا .
الأحداث التي شهدتها تونس من تغيير للحكومة بفعل هبة شعبية، هي رد فعل طبيعي لما عاناه الشعب منذ استقلاله عام 1956م وعلى مدى عشرات السنين من كبت للحريات وتضييق عليه في حياته اليومية، فالمشروعات المقامة تدر دخلا على البلاد وعلى رأسها المشروعات السياحية التي ترفد البلاد بالمليارات ومع هذا لا يشعر الشعب بهذا المدخول على حياته الخاصة، فالبطالة تتزايد، ووصلت إلى معدلات لامثيل لها حتى بين خريجي الجامعات والحاصلين على الدكتوراة، فقد ثبت في دراسة موّلها البنك الدولي ارتفاع نسبة البطالة بين حملة الشهادات العليا لأكثر من 70%، وهي نسبة مرتفعة للغاية، في وقت تسطو فيه قلة من المتنفذين على مقدرات الدولة، مادفع الشاب بوعزيزي إلى اللجوء لعربة خضار يعتاش منها، ومع ذلك فإن البيروقراطية والفساد اجتمعا عليه في محاولة لأخذ العربة ومصادرتها بحجة عدم حصوله على الترخيص اللازم، وهو بالـتأكيد ماحدث مع غيره من قبل، وقد يكون لعشرات بل ولمئات المرات.
الإهانة التي تعرض لها الشاب بوعزيزي بصفعه على وجهه لرفضه تسليم ماتبقى له من دنياه ووسيلته للحياة على الكفاف، كانت نقطة الإثارة  التي بناء عليها قرر التخلص من حياته، فلا هو يحيا حياة طيبة ولا يُترك لحياته البائسة، بل يُذَل أيضا وتهان كرامته، فكان قراره بلحظة انكسار وضعف وإحساس بمهانة لم يحتملها، بأن يشعل النار في جسده، فكانت الشعلة التي قادت الشعب بأكمله، ووصلت الرسالة أن الإهانة ليست لشخص بل للجميع.. فكانت الهبة بالتغيير.
هذه المعاناة ليست جديدة، وليست قاصرة على الجانب الاقتصادي، بل امتدت على مدى فترتي الحكم السابقتين للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، والرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وشملت أيضا الجانب السياسي، وطالت حتى المقربين من الحكم أوالذين شاركوا فيه إذا غضبت الزمرة المتنفذة عليهم، فكان فرار أصحاب الرأي الآخر والمعارضة إلى دول أخرى، صيانة لأنفسهم من البطش، ومن هؤلاء نضرب مثلا برئيس الحكومة التونسية بين عامي 1981م و1986 السيد محمد مزالي، الذي اعتقد الجميع وقتئذ أنه سيكون الخليفة الأقوى للترشيح بعد الرئيس بورقيبة، فإذا به يعزل فجأة، ويهرب إلى الجزائر، بعد أن قطع الحدود التونسية الجزائرية متخفيا في زي تاجر، وظل خارج وطنه إلى أن عاد في عام 2002م، واعترف في مذكراته أنه ارتكب خطأ في حق نفسه عندما لم يستقل من منصبه بعد حدوث تزوير في انتخابات عام 1981 رغم اتفاق كل الاحزاب على إجراء انتخابات ديموقراطية، وهو اعتراف يؤكد الأخطاء السياسية المرتكبة في حق الشعب، وهو نفس ماحدث بعد ذلك في الحكومات اللاحقة التي اضطرت الكثير من المعارضة للفرار إلى لندن وباريس وغيرهما، وكمثال على ذلك راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الاسلامية، الذي حُكم عليه بالسجن في عهد الرئيس بورقيبة، وأفرج عنه في بداية عهد الرئيس زين العابدين، ثم حُكم عليه مرة أخرة بالسجن مدى الحياة ما أدى إلى خروجه متخفيا أيضا إلى الجزائر، ومنها إلى عدة دول حتى استقر بلندن.
 والرجلان مزالي وغنوشي يمثلان رمزين لما نود تأكيده على تفرد السلطة الحاكمة في فترتي حكم بالتوجه السياسي، بل وقمع أي توجه مخالف بالداخل حتى ولو من المسؤولين. ما أدى لهروب العديد من القوى الوطنية للخارج.
ماحدث بتونس لم يكن نهاية الأحداث بالعالم العربي، بل إن شباب مصر التقط الخيط، وبدأت شرارة الانطلاق، وعلى مدى الأيام الماضية لم تتوقف المظاهرات المطالبة بالتغيير في شتى المحافظات المصرية، وسقط قتلى، وبدأت النخب السياسية تسير على نهج ماحدث بتونس من إعلانها أنها "فهمت مطالب المتظاهرين"، وكأن السنوات الماضية لم تكن كافية لفهم مطالب الشعب بالارتقاء بالمستوى المعيشي والقضاء على البطالة ومحاربة الفساد؟، ولعل ماحدث بيوم الغضب بمصر أمس يكون الانطلاقة لعصر جديد من الحرية والديمقراطية الفعلية.
مايعاني منه الشباب المصري لم تستطع الحكومة على مدى حقب مختلفة معالجته، مع وعود متكررة بلا حراك فعلي، فالبطالة في ازدياد، والممتلكات العامة التي كانت ملكا للشعب بيعت لرجال الأعمال بلا ثمن حقيقي، وأصبحوا هم الذين يديرون الأمور كلها لمصالحهم، حتى سميت بحكومة رجال الأعمال، والعمل بقانون الطوارئ أصبح الفزاعة التي ترهب الجميع بالتحقيق والاعتقال في أي وقت وبلا سبب، ولذلك فإن التحرك الشبابي لم يأت من فراغ .
الأمل المنشود أن يتم التغيير على كل المستويات، بأن يأتي الرجل المناسب في المكان المناسب، مع إعادة مصر لدورها الإقليمي والدولي الذي ترهل في السنوات الماضية حتى وصلت الأمور إلى تجرؤ دول الجوار على تهديد أمنها المائي، بل وإعلان أثيوبيا أن مصر لاتستطيع عمل شيء وهو ماكان ليحدث أبدا في سنوات سابقة.
إن مصر الدولة ذات الثقل السياسي والعسكري والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، إذا ماحدث التغيير بها في الأيام القادمة فإن القطار لن يتوقف، ولأن الشباب هم عصب الأحداث فمن حقهم أن يستلموا زمام الأمور لا أن تؤول إلى من هم بعقلية الماضي.
مانود الإشارة إليه هو أن كبت الحريات لن يحمي أي سلطة مستبدة إذا تحرك الشارع، فها هي تونس بلد "القيروان" أول جامعة إسلامية، وبلد الشاعر الفذ أبو القاسم الشابي الذي ألهب حماس الأمة بمقولته الخالدة:
إذا الشعب يوما أراد الحياة          فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليــــــــــل أن ينجلي          ولابد للقيد أن ينكســـر
هاهي تعطي درسا عمليا تقود القافلة ومن خلفها يسير شباب مصر الأزهر، لعل وعسى يعتبر السائرون على نفس الطريق، فيزيلوا القيود التي صنعوها قبل أن تكسّرها الشعوب على رؤوس الجلادين والطغاة.

التغيير القادم يجب أن يكون في مصلحة الشعب وليس شكليا ثم تعود الأمور لأسوأ مما كانت عليه، فثورات الاستقلال في كثير من الدول العربية كانت لأهداف نبيلة وتحت راية مصلحة الشعب، حتى إذا استقرت الأمور في يد القائمين عليها كانوا أطغى ممن سبقهم، حتى وصلت الأمنيات لدى البعض بعودة العهود السابقة لأنها كانت أخف وطأة من ظلم ذوي القربى.
 ياليتنا نتعلم من أوروبا احترام الديمقراطية من أجل النهضة والتقدم اللذين تهفو لهما الشعوب العربية.

ليست هناك تعليقات: