الثلاثاء، 17 مايو 2011

"مصر المؤمنة" نشرت بتاريخ 15-02-2011م


مصــــر المـؤَمّـنـَــة                         نشرت بجريدة الراية القطرية بتاريخ 15-2-2011
  
بقلم: سامي زكريا
 كاتب صحفي وباحث

من أجمل ماسمعت في مدح مصر قصيدة رائعة تشدو بها الحناجر السودانية تقربا إلى الله تقول مقدمتها:
يافتاح صلّي على المصباح وآله أولي الفلاح                     ياصاح هِمنا لزيارة أمنا مصر المؤمنا بأهل الله
منذ عشر سنوات تقريبا أهداني أحد أحبائي السودانيين القصيدة الرائعة التي دمعت عيناي عند استماعي إليها لما فيها من حب جارف من أهل جنوب الوادي “السودان ” لشماله ” مصر” على مافي القصيدة من مآخذ قد يتقبلها البعض على مضض دينيا لذكرها أولياء الله، إلا أن مانقصده هنا هو هذا الحب لأرض الكنانة تقول:
أدعــوكَ يــا الله بجمـيـع عـبــاد الله
دانـيـال ولُقُـمـان الـنــال حـكـمـة الله
وأبــي الــدرداءِ ووكـيــع ولـــيّ الله
وإمامـنـا الشافـعـي الأحـيـا ديـــن الله
وهي قصيدة طويلة يتغنى بها مدحا الشيخ عبدالرحيم البرعي الذي ذهب لمصر للعلاج فلما عاد كتب قصيدته التي تحمل شغفا وتقربا إلى الله بمصر وما فيها من صالحين.
والشيخ البرعي معروف بين أهل السودان بقصائده في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام.وقد ارتبط هذا الحب ليس برباط النيل الممتد بين البلدين منذ آلاف السنين فقط بل امتد لرباط ديني روحي أيضا وهو طهارة الأرض المصرية بوجود هؤلاء الصالحين على ثراها وتأثيرهم الكبير على المد الاسلامي في افريقيا كلها.
ودعا الشيخ البرعي في آخر القصيدة لزيارة مصر بقوله “يا صاحِ هِمَّنا لزيارة اُمنا مصر المؤمّنا بأهل الله”.
هذا العشق من أهل السودان لثرى مصر وأهلها ممتد من الدوحة إلى جميع الدول العربية والاسلامية وهو ما لمسه الجميع خلال انتفاضة شباب مصر ونجاحهم في أعظم ثورة شهدها التاريخ.
ماشهدته مصر من ثورة شبابية أجبر دول العالم أن تكون مصر في صدر نشراتها بل ونادى العديد من مسؤولي الدول الكبرى كبريطانيا بأنه يجب أن تدرس ثزرة مصر في المناهج التعليمية القادمة لأنها كانت ثورة سلمية على ماشابها من دماء تسبب فيها بلطجية الحزب الوطني الذين نشروا أدواتهم السيئة للترهيب ومع ذلك كان رد فعل الشباب “سلمية ..سلمية “ماأبهر العالم كله في نظامها وجديتها وتصميمها على التغيير الكامل لنظام حكم بدأ يتداعى أمام المظاهرات المليونية فيقدم التنازل تلو الآخر حتى سلم في نهاية الأمر.
ماحدث من ثورة 25 يناير لم يكن هينا وبسيطا بل كان عملا عبقريا قاده الشباب ولن تعود عقارب الساعة إلى الخلف لأنه مهما كان نظام الحكم القادم فإنه سيظل متيقنا أن المراقبة لن تتوقف وان موقف الجيش العظيم من الثورة سيعطي دفعا هائلا بأن المسؤولية ستكون كبيرة على من يتولى السلطة سواء كان النظام برلمانيا أو غيره وبأن العيون التي تراقب لن تسكت بعد الآن على الفساد أوالبلطجة أو الاستغلال.
مصر بكل مافيها هي روح ولايشعر بها إلا من لمسها وعاش فيها، وقدر لمصر دائما أن تكون الثقل الذي تهفو إليه الشعوب العربية وقت الشدائد، ولذلك فإن نكوصها عن دورها خلال السنوات الأخيرة ترك أثراً سيئاً على كثير من قضايا المنطقة.
مع استقرار الأمور في يد السلطة الحاكمة بمصر عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات أصبح الأمن هو المسيطر على المقدرات بفعل قانون الطوارئ من أجل أجندات داخلية بحتة منها إحكام السيطرة على مقدرات البلاد، وتحولت البلاد من وضع اقتصادي سيئ إلى أسوأ مع وعود -لم تتحقق أبدا- بوضع اقتصادي أفضل بعد تحقيق السلام فحدث العكس تماما، فقد تم تدمير شركات ناجحة كثيرة للشك في انتماءاتها أو قُل لأنها كشفت عجز المسؤولين عن مجاراتها في نجاحها والغريب أن الحكومة المخلوعة منذ أيام ساندت هذه الشركات في بداياتها ثم انقلبت عليها عندما أحدثت هذه الشركات تطورا مذهلا على النظام الاقتصادي بشكل عام مع انتعاشة لمسها الشعب على حياته وتوافر منتجاتها في السوق المصرية بل والتصدير أيضا، فكان القرار بالانقضاض عليها والاستيلاء على كل مصانعها والزج بأصحابها في غياهب السجون، وهو ماحدث مع شركات الشريف وغيرها ، ثم بدأ سيناريو التجهيز لنظام التوريث الذي انتشر على نطاق واسع بين كل الفئات بدون النظر إلى الإمكانيات الخاصة فأصبح أبناء الأطباء هم الأولى بالمهنة وكذلك أولاد المذيعين وسلك القضاء حتى المجال الفني أصبح الأمر فظا فيه بإدخال أبنائهم ولو لم تكن لدى الأبناء أية موهبة، وفرضهم حتى يتم قبولهم لدى المشاهدين مع مرور الوقت، ونفس الأمر بدأ يغزو الجانب الدبلوماسي الذي لم يكن يصل إليه في السابق سوى المتفوقين والمؤهلين تأهيلا ممتازا في مجالات مختلفة وبعد اجتياز اختبارات ومقابلات عديدة ولذلك كان الدبلوماسي المصري يشار إليه بالبنان وانتقلت عدوى التوريث للقيادة السياسية التي بدأت تتحفز للتوريث أيضا في المجال السياسي، لذلك لم يعد هناك اهتمام بالوضع الخارجي بل أصبح الاهتمام بين معظم المسؤولين في شتى الوزارات والمؤسسات منصبا على التوريث وجمع الأموال بأي وسيلة كانت ولنضرب مثلا بعضو مجلس الشعب الذي ينفق الملايين ليصل إلى العضوية التي لايتناسب راتبه الرسمي فيها مع ماأنفقه للوصول إليها، فكيف ينفق الملايين للوصول لهذا المجلس إلا إذا كان سيجني من ورائه أضعاف ما أنفقه ولهذا فإن أخبارهم لم تكن سرية بل تناقلها الشعب مع كيفية السرقة والمصدر ومن يتستر عليها ولو كانت هناك محاسبة لهؤلاء لما وصلت أرقام حساباتهم إلى هذه المليارات التي أعلن عنها مؤخرا  في وقت يئن فيه الشعب من شظف العيش وعدم قدرته على تلبية المتطلبات الحياتية البسيطة له ولأسرته.
المناقشات التي تدور الآن مع الشباب في العديد من التليفزيونات والقنوات الفضائية أكدت أن هؤلاء الشباب يدركون ماحدث ولديهم الوعي الثقافي والاقتصادي والسياسي ويجابهون الآراء القديمة بأدلة ووقائع حدثت من النظم الفاسدة وأعلنوا أنهم لم يكونوا سببا في الدم الفاسد الذي تسبب فيه أحد المسؤولين ولم يكونوا سببا في غرق أكثر من ألف مصري على عبارة منتهية الصلاحية ولم يكونوا سببا في بيع ممتلكات الدولة بأبخس الأسعار للمنتفعين، ويعرفون الصالح من الطالح لهذا فإن ثقتنا في هؤلاء الشباب كبيرة في تحمل الرسالة وإمساك زمام القيادة لعودة مصر لمكانتها التي غابت عن محيطها المحب العاشق لمصر وأهلها.
المعلوم أن كثيرا من الدول تفوقت على مصر اقتصاديا وبالتالي سياسيا فقد بدأت مصر النهضة الصناعية قبل اليابان مثلا بمراحل حتى ان اليابان والدول الغربية كانت ترسل مبعوثيها لمصر لمعرفة الطريق للنهضة فأين اليابان الآن وأين مصر ! وهناك أمثلة كثيرة على ذلك منها كوريا وماليزيا وحتى البرازيل التي أسست لنظام سياسي.
مصر التي قال الله تعالى عنها ” ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين” وفي الأثر:(إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض، قال أبو بكر لم يا رسول الله؟ قال لأنهم و أزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة .
مصر البلد التي تجلى فيها الله عز وجل عندما أراد موسى النظر إلى الله “فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّاً وخرّ موسى صعقاً”وشهد لمكانة مصر ورجالها أيضا قادة كبار العالم العسكريين والمدنيين فقد قال عنهم القائد الفرنسي نابليون بونابرت” لو كان عندي نصف الجيش المصري لغزوت العالم” وقال الطبيب الفرنسي كلوت بك: المصريون هم أصلح الأمم لأن يكونوا من خيرة الجنود لأنهم يتصفون بالشجاعة والثبات عند الخطر والصبر في مواجهة الخطوب والمحن والإقدام على المخاطرة والاتجاه إلى خط النار وتوسط ميادين القتال بلا وجل أو خوف.
هذه الدولة التي ذكرت في القرآن ولم تذكر دولة أخرى فيه ومدحها الرسول صلى الله عليه وسلم ودفن في ثراها العديد من الصحابة والصالحين ويؤمها الكثيرون حبا وعشقا في مشاهدة آثارها والاستمتاع بأجوائها ويكن لها العرب جميعا كل حب ومودة ألا تستحق ممن يتبوأ القيادة فيها أن يرعى أهلها ويكون لهم سندا.
هنيئا لمصر بانتصارها التاريخي وهنيئا للعرب بعودة مصر لدورها الطبيعي المأمول وهنيئا لنا جميعا بنجاح ثورة سيسجلها التاريخ لشباب مصر خصوصا وللعرب جميعا عبر  دوحة الخير التي انطلقت منها الجزيرة فكانت نعم السند لاستشراف المستقبل الناهض لأمتنا العربية.




ليست هناك تعليقات: