الثلاثاء، 10 مايو 2011

وماذا بعد جنوب السودان؟ نشرت بتاريخ 16-01-2011م


وماذا بعد جنوب السودان؟ نشرت بجريدة الراية القطرية بتاريخ16-01-2011م

  بقلم: سامي زكريا 
كاتب صحفي وباحث
 Samy583@hotmail.com

في يناير من عام 2003م أي منذ ثمانية أعوام كتبت بجريدتنا الغراء "الراية" مقالا بالمنتدى كان بعنوان " مأساة فلسطين .. هل تتكرر بالسودان؟" استشهدت بوعد بلفور بإقامة دولة لليهود في الثاني من نوفمبر عام 1917م ونفذ الوعد بعد عشرات السنين في مايو من عام 1948م وحذرت بعد استقراء للواقع العربي والتصريحات الغربية من تكرار الحدث نفسه بجنوب السودان .
وها نحن يقدر لنا أن نشهد النتيجة المتوقعة والتي ظل المسؤولون عن الشأن السياسي العربي يستبعدونها تماما بحجة أنهم يعرفون مآلات حدوث ذلك على الشأن العربي بأكمله، ولكنّ هناك فرقاً بين الأقوال والواقع، فعندما أُعلن عن الاتفاق بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية فيما سمي باتفاق نيفاشا الذي وقع بكينيا في سبتمبر عام 2003م وكان من أهم بنوده الرئيسية إجراء استفتاء بين أهل الجنوب على البقاء في سودان موحد أو الانفصال أيقنتُ أن الانفصال واقع لامحالة .


على المستوى الشخصي لأي إنسان إذا خير بين أن يكون مستقرا في منزل مستقل وبين أن يظل في منزل مع آخرين كلٌّ له أهواؤه وتطلعاته، سيختار أن يكون في منزله المستقل الذي لاينازعه أحد فيه، وهذا مايحدث الآن بجنوب السودان.


الحقيقة المُرة التي ينبغي أن يعترف بها الجميع في الدول العربية أن الجنوب أُهمل لعشرات السنين ، واهتم الغرب به اهتماما كبيرا لأهداف كان على رأسها إقامة حاجز بين العالم العربي في شمال القارة وإخوانهم الأفارقة، ولذلك كان سعيهم الدؤوب عبر المبشرين الذين عملوا بجد في جو حار على غرس المبادئ التي جاءوا من أجلها ومنها زرع الكراهية والتشكيك في قلوب الجنوبيين من إخوانهم في الشمال.


على مدى سنوات عديدة كانت الدول غير العربية هي الأقرب للجنوبيين في تلبية مطالبهم اليومية ومنها كينيا وأوغندا وغيرهما ، لذلك فإن مايحدث الآن هو نتيجة طبيعية لإهمال الجنوب على مدى عشرات السنوات ، فلا توجد طرق برية ممهدة ولاشركات للتسويق الزراعي ولامؤسسات تهتم بالانسان ،فالجنوبي يحيا حياة بدائية قد لايعلم عن العالم شيئا, لذلك فإن مايحدث بالجنوب يتحمل مسؤوليته كل عربي تغنى بالسودان ولم يقدم له شيئا فكانت النتيجة فقدان أكثر من ربع مساحته المقدرة بحوالي 2.5 مليون كلم، حيث تقام الدولة الوليدة على مساحة 700 ألف كلم ويبقى السودان الأم على مساحة تتنازعها مشكلات أخرى قد لايتوقف الأمر فيه على الجنوب فقط .
الدول الافريقية المحيطة بالجنوب وهي اثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وجمهورية إفريقيا الوسطى ظلت تمثل عمقا استراتيجيا للعالم العربي حتى فَتُر الاهتمام السياسي والاقتصادي بها فوجد الكيان الصهيوني الساحة خالية فبدأ تغلغله الذي كان ينتظر الفرصة السانحة لذلك.


ولنأخذ تأكيدا على مانقوله بتصريح رئيس هيئة الأركان الاسرائيلي السابق الجنرال حاييم لاسكوف بقوله "إن نجاح دولتهم في تطوير علاقاتها مع الدول الافريقية في غرب القارة خاصة تلك الدول التي تقع جنوب الصحراء والمناطق المتاخمة للدول العربية سيحقق لهم مكاسب كبيرة ويساعد على تلافي نقاط الضعف الاستراتيجي المتمثلة في إحاطتها بطوق عربي محكم والوصول إلى الظهر العربي المكشوف في ميدان لايتوقعه العرب" وهذا التأثير بدأ فعلا بالعبث بل والمطالبة بتعديل حصص مياه النيل للدول التي يمر عبرها والمقصود بذلك بالطبع السودان ومصر وذلك يعد أول الغيث في العبث بالأمن القومي العربي.
تداعيات الانفصال يجب ألا تمر على العرب جميعا مرور كرام لأنه يمثل زلزالا له تداعياته من مطالبات أخرى قد لاتتوقف عند السودان بل إن هناك أصواتا بدأت تنادي باستقلال كردستان العراق ، حيث طالب أخيرا رئيس الإقليم مسعود البرزاني في خطاب له أمام مؤتمر الحزب الذي يتزعمه بحق تقرير المصير لأكراد العراق ، وهي المطالب التي تنادي بها على استحياء بعض الأقليات في دول عربية أخرى وتنسجم مع مانشهده الآن على الساحة العربية من عدم استقرار سياسي واقتصادي في الكثير من الدول العربية قد يكون مؤشرا على حدوث تداعيات من شأنها تفتيت الدول العربية الكبرى ذات التأثير الدولي إلى شتات تتنازعه الأهواء مابين عرقي وسني وشيعي ومسيحي وهو ماسيدفع ثمنه غاليا الجميع ويومها لن ينفع الندم على ماكان؟

ليست هناك تعليقات: