الثلاثاء، 17 مايو 2011

مأساة فلسطين.. هل تتكرر بالسودان؟نشرت في يناير2003م

 مأساة فلسطين.. هل تتكرر بالسودان؟
 نشرت بجريدة الراية في يناير عام 2003م




مقدمة لابد منها:0
هذه المقالة نشرت عام 2003م وهي تعد استقراء للواقع العربي الإسلامي الذي لم يتغير على مدى سنوات طوال فهاهي الأمور تذهب في السودان إلى ماكنا نخشاه ولو تحركت الدول العربية وخصوصا دول الجوار وبالطبع بقيادة مصر التي انكفأت على نفسها وانشغلت بقضايا التوريث لسنوات لو تحركت هذه الدول لما آلت الأمور إلى اختيار الجنوبيين للانفصال وإقامة دولتهم المستقلة خلال الأشهر القادمة.0
ما احتاج الجنوب إلا لتنمية ولو استغلت رقعته الزراعية الهائلة لغطى احتياجات العرب من المحاصيل الرئيسية ولكن ماذا نقول-لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي.  الآن أناشــد العـــالم العـــــــــربي والإسلامي ألا يهملوا الجنوب بعد إقامة دولته كما فعلوا من قبل بل واجب عليهم إقامة علاقات متميزة معه بحكم حسن الجوار فإذا لم يقف معنا في قضايانا فلن يكون في صف أعدائنا، فهل نتعلم الدرس أم مازلنا على ما نحن عليه؟، نأمل أن تكــــــون الثورات العربية بداية خير للأمة بأجمعها وخصوصا الثــورة المصرية المباركة التي بنجاحها ورسوخها سينجح العـــــرب أجمعون وتعود للأمة قوتها وعنفوانها.0  


مأساة فلسطين.. هل تتكرر بالسودان؟

بقلم: سامي زكريا 

كاتب مصري من أسرة تحريرالراية

إذا كانت مأساة فلسطين حيكت خيوطها قبل عشرات السنين من بدايتها بوعد بلفور المشؤوم الهادف لإقامة دولة لليهود في فلسطين، ومع رفض هذا الوعد من قبل العرب والمسلمين إلا أنه نفذ وطبق على أرض الواقع رغم أنف جميع المعارضين، مع العلم أن عشرات السنوات مرت بين الوعد وإقامة هذه الدولة العنصرية الصهيونية في قلب العالم الإسلامي لتكون حاجزاً بين مسلمي افريقيا وآسيا وتظل مرضا مزمناً في جسد الأمة، ومع الدروس المستقاة مما حدث بفلسطين فإن المتفحص لما يحدث الآن يقرأ نفس التمهيد لبداية مأساة جديدة ستكون أشد قتامة وعنفا وإضراراً بالعالمين العربي والإسلامي، إنها مأساة جنوب السودان السائر بقوة نحو الانفصال ولو أجل لسنوات قليلة قادمة.0
السودان بشماله وجنوبه والبالغ مساحته حوالي 2،5 مليون كم2 وبعدد سكانه البالغ 36 مليونا تقريبا يمثل الأصالة والحضارة، ويمثل القوة الفاعلة في النظام الإسلامي، إذا قدر لبنيانه أن يظل موحداً متماسكا، ولكن هيهات أن يحدث ذلك وقد وضعته إسرائيل ومن يسير في فلكها تحت المنظار لما يمثله الجنوب من أهمية استراتيجية إذا انفصل سبب ألما مستمرا لكل من مصر وشمال السودان وبالتالي يمثل عازلا بين المسلمين وإخوانهم في الدول المجاورة أوغندا وارتريا وكينيا واثيوبيا والكونغو الديمقراطية، كما يمثل انتزاعا لأخصب أرض وأجمل بقعة في العالم الإسلامي بعد كشمير، وبالنظر إلى الجنوب نشاهد التالي:0
أولاً: يمثل سلة الغذاء للعالم كله إذا استغل استغلالا جيدا وليس للعالم الإسلامي فحسب، وقد قدر لي ان أزور الجنوب في بداية الثمانينيات من القرن المنصرم وشاهدت بعيني الغابات الطبيعية على امتداد الجنوب بدءا بجوبا العاصمة الاقتصادية والمدينة الرئيسية في الجنوب، وانتهاء بنيمولي على الحدود مع أوغندا، وتنتج هذه الغابات الكثير من الفواكه التي لا تحتاج إلا لجمعها وتصديرها، ولكن نظرا للاهمال وعدم إعطاء الأمر أهمية فإن هذه الثمار تحرق وبذلك تهدر ثروة كبيرة.
ثانياً: يمثل الجنوب المورد الرئيسي لمياه النيل لمصر، ولذلك فإن انفصاله يمثل تهديدا خطيرا لمصر وبالتالي للدول العربية، وقد بدأت إسرائيل العبث في هذا المورد المهم للتأثير على مصر عندما دعمت اثيوبيا لبناء سدود على النيل الازرق الذي يمد مصر بـ 86% من احتياجاتها المائية، وقد تم الاتفاق على بناء هذه السدود في 14 نوفمبرعام 2000 مما يؤكد ضلوع إسرائيل في محاولاتها النيل من مصر في مياهها وهو ما تأكد بالمساعدات والخبراء الذين تقدمهم للجنوبيين في حربهم وإصرارهم على منحهم حق تقرير المصير بل إن تدخل الإدارة الأمريكية يصب في نفس الاتجاه الداعم للانفصال لتكون لإسرائيل اليد الطولى في هذه البقعة المهمة التي اكتشف فيها النفط، وما يحدث الآن ليس وليد يومه أو بسبب أحداث 11 سبتمبر بل بدأ منذ سنوات وتجلى في تصريح وزير الخارجية الأسبق وارن كريستوفر ردا على الانتقادات الفرنسية لجولة الوزير الأمريكي الافريقية عندما قال بوضوح شديد: إن الولايات المتحدة لا تخشى التطاول على مناطق النفوذ الفرنسي وهو ما يؤكد أن القارة السمراء عادت إليها تقسيمات النفوذ الاستعمارية بوسائل وأدوات واستراتيجيات جديدة، ولهذا فإن الضغط على الحكومة السودانية لا يوازيه ضغط على المتمردين لأن الهدف واضح رغم رفض مصر والدول العربية، ووصل هذا الضغط ذروته بتصريح مسؤول أمريكي طلب عدم الكشف عن اسمه ان الولايات المتحدة قد تجد تحديا في حذف السودان من القائمة الأمريكية للدول التي ترعى الإرهاب رغم التقدم الذي أحرزته الخرطوم بشأن مكافحة الإرهاب بل وصل الضغط لأقصى مداه بإصدار قانون أطلق عليه قانون السلام والذي أقره الكونجرس ويهدد بفرض عقوبات على السودان إذا فشلت الحكومة في تحقيق تقدم، كما يخول الإدارة الأمريكية في إنفاق 100 مليون دولار سنويا على المناطق الواقعة خارج نطاق سيطرة الحكومة، أي للمتمردين، كما تم تجميد أصول اثنتي عشرة شركة سودانية، وهذا الضغط ترافق مع ضغط عسكري بمنع توريد السلاح أو تقديم أي مساعدات اقتصادية للحكومة ووضع قيود على السلع ذات الاستخدام المزدوج للأغراض المدنية والعسكرية، مع تقديم كافة المساعدات للمتمردين وهو الأمر الذي حدا بوزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان إسماعيل للتنديد بموقف الادارة الأمريكية المنحاز بوضوح للمتمردين حيث قال: القانون يعد إعلان حرب على عملية السلام بالسودان . بل ان الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقط بل تعداه لتشجيع وسط السودان بمناطقه الثلاث جبال النوبة، وولاية النيل الأزرق، ومنطقة أبيى ليشملها التصويت على الانفصال مع الجنوب.0
ومع هذه الأحداث المتسارعة فإنه يشتم منها رائحة نتنة هدفها التقسيم والتفتيت وهو ما يجب ان نتنبه له، فالجنوب لم يكن يوما مسيحيا بل انهم أهل فطرة لا يعلمون شيئا ومن يصلهم أولا يصدقونه ويكون الاتباع له أولى، لذلك فإن هناك صراعاً في الجنوب ذا طابع ليس بجديد، بين المبشرين الذين يتحملون الصعاب بدعم من مؤسسات عالمية كبرى وحكومات بل إن الممثل الشخصي للرئيس الأمريكي بالسودان هو قسيس، وفي الطرف الآخر يقف الإسلام الذي ينتشر ذاتيا بالحجة والبرهان والحكمة والموعظة الحسنة ممن اعتنقوا هذا الدّين العظيم بدون دعم من أحد أمتثالا لقول الله تعالى: أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن النحل .0125
لذلك فإن الصرخة التي أطلقها وأتمنى أن تجد آذانا تسمعها هي نداء بتكاتف جهود جميع الدول الإسلامية لمنع انفصال الجنوب والعمل بقوة على تنميته بأقصى سرعة ببناء المدارس والمستشفيات وتعبيد شبكة طرق تقرب أهل الجنوب من إخوانهم بالشمال وهو واجب ديني ووطني على كل مسلمي العالم امتثالاً لقول الله عز وجل: إنما المؤمنون اخوة وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى” وأملنا في الله كبير أن يرد كيد الكائدين ومكر الماكرين يقول تعالى: وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.0
فهل نمد أيدينا لإخواننا في السودان أم نترك جنوبه ووسطه يضيعان من بين أيدينا كما حدث لفلسطين من قبل؟.0



ليست هناك تعليقات: