الجمعة، 13 مايو 2011

من أجل القدس نشرت بجريدة الراية القطرية بتاريخ 08-05-2011م


من أجل القدس

بقلم: سامي زكريا
 كاتب صحفي وباحث مصري

تعتبر القضية الفلسطينية أم القضايا على الساحة العربية، وتواري أخبارها إعلاميا خلال الأسابيع الأخيرة لصالح الثورات الشعبية العربية على المستبدين من الحكام لم يبعدها عن الذاكرة العربية التي تضع القضية الفلسطينية دائما على قائمة أولوياتها.

خلال الأيام الماضية فتحت القاهرة ذراعيها لأشقائها من فتح وحماس ومختلف الفصائل الفلسطينية، لإنهاء الخلاف الدائر بينها على مدى أربع سنوات عجاف على القضية الفلسطينية، شهدت العديد من المشاحنات والصراعات التي وصلت حد اعتقال كل طرف للمخالفين له من الأطراف الأخرى، بل وصل الأمر لهاوية ومنزلق الاحتكام للسلاح فيما بينهم، وشهدت الفترة نفسها أيضا العديد من المحاولات للتقريب بين الفرقاء، ولكن ما كادت تبدأ هذه المحاولات حتى تنتهي بالفشل السريع لتدخلات عديدة من جهات مختلفة لاتريد لهذه المصالحات أن تتم، في محاولة من هذه الجهات لإثبات أنها بيدها فقط تستطيع أن تنهي الخلاف أو تبقيه، وبذلك ظل الشعب الفلسطيني يدفع الثمن في كل الأحوال.

ماحدث بالقاهرة خلال الأيام الماضية يعبر بوضوح عن اتجاه مصر ما بعد الثورة، بعودة دورها الفاعل على الساحتين العربية والدولية، ولذلك عملت الدبلوماسية المصرية وبسرعة لم يتوقعها أحد لوجود ملفات داخلية مصرية كثيرة تحتاج جهدا كبيرا، ومع ذلك عملت في صمت، وبكل شفافية، مع جميع الفرقاء الفلسطينيين من أجل لم شمل الأسرة الفلسطينية للاتفاق على أولويات المرحلة المقبلة، وإنهاء الانقسام وبناء حكومة وطنية تستطيع الحديث باسم جميع الفلسطينيين في شتى المحافل الدولية.

الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تحاول دائما وبكل السبل الهرب من استحقاقات السلام، وفي كل مرحلة من المراحل تفتعل أسبابا جديدة، وعندما ضُيّق عليها الخناق لبدء مفاوضات السلام خلال السنوات الماضية وجدت ضالتها في مبرر أنها لاتجد مفاوضا فلسطينيا واحدا يمثل الشعب الفلسطيني المنقسم بين فتح وحماس، والمجتمع الدولي كان يصدق هذا الزعم مع علمه بالهروب الإسرائيلي وخداعه.
الآن ستصبح الحكومة الفلسطينية معبرة عن الشعب الفلسطيني بكل أطيافه، ولم يعد هناك من حجة تسويف إسرائيلية جديدة لخداع العالم بمبرر حقيقي أعطيناه نحن لها على طبق من ذهب باختلافنا وانقسامنا بين فتح وحماس وفصائل أخرى.

وعلى عاتق القيادات الفلسطينية في هذه المرحلة يقع تنفيذ البنود المتفق عليها سريعا، وبناء حكومة قوية تعبر عن الشعب الفلسطيني، وتعمل من أجل مصالحه، وفي ظل انشغال الدول التي كانت تتدخل لإيقاف التقارب الفلسطيني بشؤونها الداخلية، ومع الضغط الشعبي الفسطيني الداعم للوحدة، ونشاط الدبلوماسية المصرية دوليا وعربيا فإنه لايوجد مفر من إتمام المصالحة في البيت الفلسطيني وإلا فإن التاريخ لن يرحم أحدا يكون سببا في أي انشقاق.

الحكومات الإسرائيلية بالإضافة لاستغلالها مبرر عدم وجود من تتفاوض معه قامت أيضا بالاستيلاء على المزيد من الأراضي، وبناء مستوطنات جديدة، وحاصرت القدس بهذه المستوطنات وتسابق الزمن من أجل محو الهوية العربية لها، بل إن المسجد الأقصى أصبح مهددا بالحفريات المستمرة أسفله، وفي الوقت نفسه تقوم الأبواق اليهودية بالترويج للمدينة المقدسة دوليا على أنها مدينة يهودية، فحملتها الداخلية للقضاء على شرقية القدس بإقامة منشآت ومستوطنات جديدة والقضاء على أحياء عربية كاملة وسحب بطاقات الهوية من العرب القاطنين بالقدس توازيها حملة دولية لإقناع العالم بيهودية القدس.

دماء شهداء الثورة المصرية فتحت الباب على تغيير جذري في ملف إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، والإعلان من قبل المجلس العسكري عن فتح معبر رفح بين مصر وغزة هو تطور كبير، والتأكيد على أنه شأن مصري فلسطيني ومصر لاتسمح بتدخل أي قوى أخرى فيه يعد دلالة جديدة على أن دم شهداء الحروب العربية الإسرائيلية مع شهداء ثورة يناير لم تذهب هباء بل إن قوة دفعها ستظل وقودا في هذا الصراع.

كل يوم يمر على القضية الفلسطينية تتشابك الأمور فيه وتتزايد الملفات تعقيدا في ظل حكومات إسرائيلية لاتريد سلاما، وتخدع العالم بأنها لاتجد من تتفاوض معه، ولذلك فإن تشكيل حكومة فلسطينية موحدة سيسد الذرائع الإسرائيلية ويكشف من هو الطرف الذي لايريد السلام، لذلك يجب الاستفادة من عودة المارد المصري لدوره المنشود، بإدارة الملف الفلسطيني بزخم جديد يضمن الحقوق العربية بعودة الأراضي المحتلة ويحقق الأهداف المنشودة بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

من أجل القدس يجب أن تتغاضى كل الأطراف الفلسطينية عن مصالحها الشخصية الجانبية لأن التفاصيل عادة تكون القاضية على الاتفاقيات فالشيطان كما يقال يكمن عادة في التفاصيل، والمأمول أن تكون الروح الجديدة روح الثورات العربية، هي المسيطرة على الشأن الفلسطيني لأن الشعب الفلسطيني بل والشعوب العربية بأكملها لن تسمح بعودة الخلافات مرة أخرى في الوقت الذي تضيع فيه القدس من تحت أيدينا أرضا وبشرا ومقدسات، فمن أجل القدس نناشدكم اتحدوا.

ليست هناك تعليقات: