الأحد، 26 يونيو 2011

البناء نشرت الأحد 26/06/2011

 البنــــــــــــــــــــــــــــــــاء                               




بقلم: سامي زكريا 
كاتب من أسرة تحرير الراية
samy583@hotmail.com 


الهدم والبناء كلمتان خفيفتان في النطق ثقيلتان في الجهد، وأكثرهما ثقلا البناء فالهدم ما أسهله، ولكن البناء ما أصعبه.
انهيار البناء أو هدمه قد لا يستغرق وقتًا يذكر، وقد رأينا كيف انهارت حكومات عربية في أيام قليلة بفعل هبة شعبية أرادت الخلاص من الجور والظلم والطغيان فكان لها ما أرادت، فرحل من رحل هاربًا إلى دول أخرى وجد فيها ملجأ وحماية بعد أن كان الآمر الناهي صاحب السلطان والجاه والمُلك، فإذا به يريد الاختباء ولو في جحر يؤويه ويكف عنه لظى المطالبات ولهيب المحاكمات، وآخرون ظلوا متشبثين بالحكم حتى بعد خلعهم فانتظروا أن تمتد الأيادي التي امتلأت بالعطايا والهبات لتكون عاملا مساعدا في عودتهم، فإذا بالشعب الذي قاد مسيرة التغيير يؤكد يقظته وعزمه على السير للأمام وقطع دابر المفسدين، فكان تقديمهم للمحاكمة دليلا على عدم العودة للخلف، وتأكيدا على إصرار الشعب السير قدمًا في طريق الحرية والبناء.

البناء ليس سهلا لأنه علو وصعود فالمبنى الذي تشيده قد يستغرق بناؤه عدة أشهر وقد يصل إلى سنين حتى يكتمل ومن ثم رؤيته في أبهى صورة، ولذلك فإن المتعجلين في البناء قد يندمون لأن الأسس التي يتم بها البناء قد تكون منقوصة فتُكتشف العيوب بعد ذلك ووقتها تكون المعالجة مكلفة أضعاف البناء نفسه.

مصر الآن تُبنَى بأفكار جديدة يتشارك فيها الشعب وكل من له رأي وهذه الأفكار والآراء تحتاج من يبلورها ويناقشها ويضعها بأولوياتها على طاولة المناقشة.
الآن النقاش محتدم بين فريقين أحدهما يطالب بوضع الدستور أولا قبل الانتخابات القادمة، والآخر يطالب بالسير قدما في طريق الانتخابات كما هو مقرر من قبل، ثم وضع دستور جديد تشرف عليه المؤسسات المنتخبة من قبل الشعب.

الفريق الذي يطالب بوضع دستور أولا متوجس من نجاح الاتجاه الإسلامي في الانتخابات القادمة ووصوله للحكم، لذلك يريد وضع أطر من الآن تقيد حركته في القيادة بعد ذلك، وهي الشكوك التي تساور دائما فئة لاترغب في وصول أي اتجاه مخالف لأفكارها، وهذا ما نشاهده بوضوح في الحوارات الإعلامية معها أو في كتاباتها.
مصر الحرة الأبية لا أعتقد أن أي اتجاه سيستطيع أن يستأسد بالحكم فيها، ومن يفكر في بسط رأيه على الآخرين سيجد ثورة عليه قد تطيح به للأبد، لأن حرية الشعب لن تكون بعد الآن موضع نقاش أو مساومة.

الاتجاهات الإسلامية التي تنوي الترشح في الانتخابات القادمة تعرف ماذا يريد الشعب، وتعرف أن لها حدودا لن تتخطاها إذا علمت أن تخطيها سيضر بصاحب الثورة الذي قدم الشهداء من أجل نجاحها، لذلك أعتقد أنه يجب أن نتخطى هذه المرحلة التي يثار فيها هذا الجدال بين الفريقين المختلفين على أولوية الانتخابات أولا أم الدستور.

الفريق المتهيب من إتمام الانتخابات في مواعيدها خوفا من الإسلاميين مخطئ لأن التأخير سيؤجل البناء الفعلي المرتجى إلى موعد آخر قد يكون بعد الانتخابات المقررة أو يؤجل أيضا إلى موعد آخر جديد مادام تخوفهم قائما، والفريق الآخر يدرك هذه التخوفات وإذا أقدم على فعل خاطئ فسوف يفقد ما اكتسبه من شعبية قد تؤهله للقيادة القادمة، فالفريقان إذن يجب أن يدركا دورهما في هذه المرحلة المهمة في بناء الوطن.

الأشهر الماضية شهدت تراجعا قويا في مصادر الدخل والإنتاج وهو أمر طبيعي حدوثه بعد ثورة بمثل هذه القوة اقتلعت نظاما فاسدًا له جذور تعهدها منذ عشرات السنين، ولكن من واجب الجميع الآن أن يلتفت كل منهم لما هو أهم من الاستفتاء أولا أم الانتخابات وهو البدء في البناء، ولن يتم ذلك إلا بعودة المصانع للعمل بأعلى طاقتها وطمأنة المستثمرين على استثماراتهم وممتلكاتهم وفتح أبواب جديدة لهم وإرسال رسالة ثقة للعالم أن الوضع أصبح مستقرًّا وأن مصر الآن أفضل من مصر الأمس وأن مرحلة البناء قد بدأت فعلا من الآن وليس الغد.
 
http://www.raya.com/articles/rayaforum/Pages/2011-6-26-991.aspx

ليست هناك تعليقات: