الأحد، 12 يونيو 2011

عقلية ما قبل الثورة نشرت بتاريخ 12-06-2011م

 عقلية ما قبل الثورة                                  نشرت في 12-06-2011م
  بقلم: سامي زكريا
 كاتب صحفي وباحث
  Samy583@hotmail.com


الأمل في تغيّر المواطن العربي بالبلاد التي شهدت ثورات أصبح ملحّا بل وواجبا في هذه المرحلة التاريخية التي يمر بها، لأن السلطات التي ظلت جاثمة على أنفاسه عشرات السنين انهارت فجأة وبدأ يستنشق عبير الحرية والديمقراطية والإحساس أنه عضو فاعل في وطن سلب منه فإذا به فجأة بين أحضانه عائدا له من أسره الذي استمر عقودا ليمنحه شعورا مبهرا وإحساسا بقيمته وأهميته كلبنة في وطن يعلو وينهض بجهد أبنائه بعد سرقته من قلة تجبرت وتكبرت فأسرت الوطن والمواطن معا.
مايثير التخوف هو ذاك الفكر الفردي للمواطن الذي تعود على إطار في حياته فرضه النظام الفاسد ليسهل عليه السيطرة على هذا الجَمع وهذه الملايين، وتغيير فكر هذا المواطن وطريقة حياته تحتاج جهدا خارقا لأن هذه الأحداث الجسام والتغييرات الدراماتيكية التي يعيشها ويراها لم تغير سوى نظرته وتطلعاته الشخصية وطلباته بتحسين دخله والاعتراض من أجل إثبات الذات والإحساس أن صوته مسموع، بالإضافة لوقفات احتجاجية على أمور ومطالب ليس وقتها الآن وكأنه في ثورة مازالت قائمة لتغيير النظام، وفي داخله مازال هو الشخص نفسه بكل سلوكيات ما قبل الثورات العربية.
الإنسان الذي نشأ على الحكم الفاسد بكل ما فيه من معنى تشرب كثيرا من هذه السلوكيات فتجده قاسيا في تعاملاته مع الأحداث فإما رافض لكل مايراه وإما معها ليستفيد ولو على حساب غيره، وقد رأينا كيف كانت تمرّر القوانين بمجلسي الشعب والشورى المصريين بالموافقة الجماعية لكل الأعضاء على أي قانون يطرح، وقد يكون أغلب الأعضاء لايعلمون شيئا عن هذا القانون المطروح ولكنهم تعودوا على منظومة الموافقة لإرضاء أصحاب السلطة فينالهم الرضا المطلوب في شكل عقارات وشركات ووظائف بالإضافة لحصانة من المساءلة.
هذه السلوكيات التي أصبحت منهجا في شخصية المسؤولين انعكست أيضا على فئة كثيرة من الشعب فهناك إدارات وشركات ومصانع وهيئات وغيرها كانت تدار بمنطق مجلسي الشعب والشورى تماما، وإذا قمنا بعمل إحصاء لعدد المسؤولين والقائمين على إدارتها سنجد أعدادا كبيرة وبنسب مرتفعة بينهم كان سلوكهم لا يختلف عن سلوك المتنفذين في قمة السلطة.
الذين أزيحوا من السلطة وتم تنحيتهم كانوا بالإضافة لمناصبهم وأعمالهم ضيوفا دائمين على المؤسسات الصحفية في لقاءات ومقالات، وضيوفا دائمين على الفضائيات، وبسبب موالاتهم القميئة للسلطة الحاكمة والمستفزة للشعب في الوقت نفسه فقد تم لفظهم أيضا بعد الثورة وإبعادهم عن الواجهة الإعلامية، ونظرا لحاجة الإعلام لاستمرار عمله سواء بالإذاعة أو الصحافة أو الفضائيات فإنه بدأ في استضافة من لم يكن الإعلام مسلطا عليهم دون معرفة توجهاتهم وآرائهم، وتناسى أنهم كانوا جزءا من منظومة سيئة بثت سمومها وأفكارها على مدى عشرات السنين فأثرت على الجميع حتى دون وعي أو انتباه من هؤلاء أنهم في أفكارهم وسلوكياتهم لايختلفون كثيرا عن من تم إزاحتهم سوى أن السابقين وصلوا لمرحلة الفُجْر والوقاحة في سرقاتهم وفي ألفاظهم وفي سلوكياتهم عامة.
لن ننكر وجود المتعففين عن الحرام أو الذين يخافون المحاسبة التي ستنتظر من يجرؤ على أموال الشعب ولكن سلوكيات رفض الرأي الآخر والانبهار بالرأي الشخصي والتعالي على الآخرين والقيام بالنهج نفسه الذي كان يقوم به السابقون ربما تكون هي السلوكيات السائدة نفسها قبل وبعد الثورة لم تختلف وربما يكون الفساد المالي والإداري مازال مستشريا بين العديد من هذه القيادات الصغيرة.
لذلك أرى أن القيادات في جميع المجالات يجب أن تدرس جيدا ويزاح الطالح منها ويستبقى الصالح المشهود له قبل الثورة وبعدها لأن الأفكار التي تدار بها الهيئات والمؤسسات الإنتاجية مازالت كما هي لم تتغير ولم نر حتى الآن قيادات شبابية تحمل أفكارا جديدة للقيادة.
إذا ظلت الأمور على ما هي عليه فإن التغيير في قيادات البلد لن يكون تأثيره كبيرا وكما هو مأمول لأن القيادات الصغيرة بالشركات والمصانع والمؤسسات وغيرها مازالت تقود القافلة بعقلية ما قبل الثورة.

ليست هناك تعليقات: