السبت، 23 يوليو 2011

المساعدات المشروطة نشرت بجريدة الراية بتاريخ 24-07-2011م


المساعدات المشروطة



بقلم: سامي زكريا
 كاتب صحفي وباحث مصري  
  Samy583@hotmail.com

                            
الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية لا تقدم مساعدات لدول الشرق الأوسط لوجه الله، فكل دولار له هدف، ومعلوم مدى تأثيره وما هو المقابل الذي سيجنيه هؤلاء من كل دولة أو جهة في مقابل هذه المساعدات.
مع بداية الثورة المصرية أعلنت الولايات المتحدة رغبتها في تقديم مساعدات لكن رفعت أصوات الثوار بعدم الرغبة في مساعداتها، وحتى في ظل اشتداد الخناق الاقتصادي على الحكومة المصرية المؤقتة وتفاوضها مع صندوق النقد الدولي الذي تنازل عن الكثير من شروطه رغبة في تقديم قرض بعدة مليارات لمصر ولكن مع الضغوط الشعبية ورغبة في عدم الولوج لهذا المنعطف غير المقبول أعلن وزير المالية المصري عدم احتياج مصر لأي مبالغ من صندوق النقد الدولي، وكان لوقفة قطر الأخوية بتقديم دعم مباشر للحكومة المصرية أثره الرائع على الحكومة والشعب المصريين لأنها وقفة أخوية طالما قامت بها الدوحة في العديد من المناسبات.
الدول الغربية مختلفة تماماً في دعمها فهي تقدم من أجل أهداف أو لممارسة ضغوط فكثيراً ما كان الرئيس المخلوع حسني مبارك يقدم تنازلات أو يمارس ضغوطاً على جواره إرضاء لأمريكا وللغرب خوفاً من قطع المساعدات التي تقدمها، وكثيراً ما كانت الحكومة الأمريكية ترفع عصا المساعدات كلما اتخذت الحكومة المصرية موقفاً لا ترضى عنه الحكومة الأمريكية، وعندما كانت تلوّح بتخفيض هذه المساعدات المقدمة لمصر كانت الوفود الحكومية المصرية لا تتوقف ذهاباً وإياباً استعطافاً لعدم تخفيض المساعدات.
منذ يومين تقدمت لجنة بالكونجرس الأمريكي بمشروع قانون يتضمن اقتراحاً بوقف المساعدات الخارجية الأمريكية عن دول في منطقة الشرق الأوسط ومنها مصر إذا وصلت إلى السلطة في هذه الدول جماعات "متطرفة" من وجهة نظرهم،وهذه الجماعات المتطرفة المقصود بها بكل تأكيد أي اتجاه إسلامي يصل للسلطة مع أن كل الاتجاهات أعلنت أنها ستقيم علاقات مع دول العالم وستلتزم بما وقع عليه من معاهدات سابقة ومع ذلك فإن تخوف الكونجرس على إسرائيل يجعله مبادرًا بمثل هذه الضغوط الاستباقية والتحريضية أيضا على جبهتين الجبهة الأولى تحريض الحكومات الغربية بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، والجبهة الثانية تحريض داخلي في هذه الدول المقصودة بمحاولة التأثير على الرأي العام في اختياراته القادمة وتحذيره بأن اختيار الاتجاه الإسلامي سيفقدهم المعونات والمساعدات الخارجية وهو أمر غير مقبول بالمرة، ويفضح الوجه الآخر لهذه الدول التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتتراجع عما تعلنه دائماً من أن صناديق الانتخابات هي التي تفرز من يحق له الحكم.
الحكومات الغربية تحترم حقوق الإنسان في ديارها، وتقيم العدل المنقوص في كثير من الدول العربية، ولكنها لا يعنيها هذا الأمر كثيراً في ديار أخرى إذا تعارضت إقامته مع أهدافها، فإسرائيل وأمنها واستقرارها هو ما يهمها أكثر من إقامة حكومات ديمقراطية في المنطقة، وإذا كان وجود حكومات منتخبة من الشعب لن يعطي الأمان لإسرائيل فإنها بكل تأكيد ستقف ضد طموحات هذه الشعوب إرضاء لإسرائيل.
إسرائيل في استراتيجيات الحكومات الغربية فوق كل شيء، فوق القوانين وفوق الأمم المتحدة وإلا اذكروا لي مرة واحدة أجبرت على تنفيذ قرار واحد اتخذته المنظومة الدولية.
التهديد بوقف المساعدات يجب أن يذكر الثوار والحكومات العربية جميعاً أن الاعتماد على النفس هو السبيل للحرية فلا للمساعدات إذا كانت ستعيدنا للخلف، ولا للمساعدات إذا كانت ستكمم الأفواه، ولا للمساعدات المشروطة بأهداف آنية ومستقبلية.
إذا كان ثوار مصر رفضوا المساعدات الأمريكية المشروطة في بداية الثورة فأعتقد أن الرسالة يجب أن تكون قد وصلت إليهم هناك في واشنطن والعواصم الأوروبية أن المرحلة القادمة توجب عليهم التعامل بندية لأن مصر بها من الإمكانات والأموال ما يكفيها وزيادة إذا أحسنت استغلال واستثمار مواردها بشكل جيد، ومصر ما بعد الثورة لا أعتقد أبدًا أنها ستصل إلى ما وصلت إليه قبلها من استجداء المساعدات لتيسير أمور الدولة في الوقت الذي كانت فيه جيوب مسؤوليها متخمة بأموال الشعب، فالرسالة يجب أن تصل إليهم أن الزمن لن يعود للخلف وعقارب الساعة تسير للأمام ومستقبل مصر سيكون مشرقاً بكل تأكيد بدون مساعدات مشروطة من واشنطن وغيرها.


ليست هناك تعليقات: