السبت، 16 يوليو 2011

دارفور نشرت بتاريخ 17-07-2011م


دارفـــــــــــور

 بقلم: سـامي زكـــــريا
 كاتب صحفي وباحث مصري   
  Samy583@hotmail.com



                                     
عامان ونصف العام من المفاوضات التي قادتها الدوحة بين الأطراف المتصارعة في دارفور توجت بالتوقيع على اتفاق سلام بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة.
ثلاثون شهرًا بالتمام والكمال كانت الفترة التي قادت فيها قطر المفاوضات بين الأطراف المتنازعة في إقليم دارفور السوداني بذلت خلالها جهودا جبارة مع صبر من أجل التوفيق بين الآراء والاتجاهات التي لا يشكك أحد في وطنيتها، ولكن توقيت ظهور الحركات الانفصالية في السودان يترك دائما علامات استفهام كبيرة.
ففي الوقت الذي تصاعدت فيه مشكلة الجنوب مع الضغوط الدولية على حكومة الخرطوم طفت إلى السطح فجأة مشكلة دارفور وأخذت بعدًا دوليًّا بعد تحويل ملفات عدد من القيادات لمحكمة جرائم الحرب الدولية لاتهامهم بارتكاب ما اعتبرت جرائم حرب في الإقليم، وبدأت حركات أخرى في مناطق مختلفة تطالب بما طالب به الجنوب بحق تقرير المصير وأصبحت كأنها عدوى بين المناطق تريد كل منطقة استقلالا، لتتلاقى مع رغبات العديد من الدول الغربية التي لا تريد للسودان وحدة.
كثيرا ما نحمل تبعات مشاكلنا لتدخلات أجنبية في شؤوننا وأجندات خارجية تمهد السبل وتضع البذرة وتنميها وهذا لا نستبعده ولكن يجب أن نحاسب أنفسنا نحن لمَ تصل الأمور إلى الأسوأ دائما وأين دور الحكومات في حل معضلات أبناء شعبها ومشاكلهم وهي في كثير من الأحيان بسيطة ويمكن حلها في بداياتها ولكن للأسف الشديد الحكومات تكون في واد والأمور تتسارع في الوادي الآخر.
تيسير الحياة للمواطن السوداني أعتقد أنها من أبسط الحقوق الواجب على الحكومة المركزية تلبيتها لمواطنيها، وليس أقل من تعبيد الطرق بين المدن المختلفة وهو ما بح به صوتنا في الثمانينيات فالمواطن الجنوبي كان يلبي حاجته من المواد الأساسية في ذلك الوقت من الصابون وحاجاته اليومية من كينيا وأوغندا لعدم وجود طريق بري ممهد بين جوبا والخرطوم، إذا كان الأمر كذلك في الحاجات الأساسية فهل تتوقعون انتماء بعد ذلك؟، هكذا كان الأمر في الجنوب ولم يتم الوصول للمواطن الجنوبي بالقدر الذي يجعله يقرر البقاء في السودان الموحد.
السودان مترامي الأطراف وكثيرا ما ركزت الحكومات على العاصمة بمدنها الثلاث "الخرطوم وأمدرمان والخرطوم بحري" وتركت مناطق شاسعة بدون خدمات، وأبناء هذه المناطق انطلقوا في الدول وتعلموا ورأوا التطور العالمي وعندما عادوا لديارهم لم يجدوا تطورًا أو تغيرا في الحياة اليومية إلا بقدر ضئيل، وبالتالي تؤثر عليهم الأفكار التي تبث بينهم السم في العسل والسبب ببساطة تقاعس الحكومات عن تطوير هذه المناطق بمثل ما تقوم به في العاصمة.
الجنوب الذي أعلن إقامة دولته نتمنى أن يكون آخر المنفصلين وأن تأخذ الحكومة السودانية مما حصل بالجنوب درسًا في التعامل مع المشكلات بمناطق أخرى، فكم من الخطب كنا نسمعها عن أن أبناء الجنوب سيقررون الوحدة في الوقت الذي كانت تشير فيه كل الأحداث والدلائل إلى الانفصال فهل كان أملا أم تغيبا عن الواقع؟.
ما نأمله الآن أن تتعامل الحكومة السودانية مع الأحداث بشكل عملي فالمطلوب أولا وثانيا وثالثا تطوير هذه المناطق، فليكن تطوير دارفور هدفًا استراتيجيًّا تضع له الحكومة برنامجا محدد المدة حتى تلتزم به، فالمنطقة فقيرة في كل شيء بدءًا من الطرق وليس انتهاء بالتعليم، حيث تفتقر للمدارس بشكل كبير وإقامة مشاريع تفتح أبواب العمل لأبنائها.
جنوب السودان اتجه الغرب له منذ عشرات السنين لفصله عن الشمال المتصل بالعروبة وجاء اكتشاف البترول والثروات المعدنية به ليعجل الانتهاء من انفصاله وها هو دارفور بدأت الأنظار تتجه إليه بعد اكتشاف ثروات بترولية به.
دارفور مساحته تماثل مساحة فرنسا حيث تبلغ مساحته خمسمائة وعشرة كيلو مترات وعدد سكانه ستة ملايين معظمهم حفظة للقرآن الكريم ويحتاجون جهدًا من العالم العربي أقل من الجهد الذي كان مطلوبا للجنوب، وكان من قبل إمارة مستقلة وهو ما يعطيهم الحنين إلى الماضي ولن يوقف هذا الشعور إلا العمل الجدي على الأرض بتغيير حياتهم إلى الأفضل وليست الخطب العصماء هنا وهناك، فالشعوب بعد أن اطلعت على الأمم الأخرى في عصر الاتصالات الحديثة لن تضللها خطب ولن تخدعها كلمات جوفاء.


موقف قطر وصبرها لأكثر من ثلاثين شهرا على المفاوضات التي توجت بالتوقيع على الاتفاقية بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة، يمنحنا الأمل في أن تستمر قطر في مباشرة الأعمال القادمة بدارفور خصوصا أنها لا تدخر جهدًا في سبيل مصلحة السودان وشعبه وهذا يتطلب تضافر الجهود من قبل الحكومة وجميع الفصائل الدارفورية من أجل مصلحة الشعب واستقراره.




ليست هناك تعليقات: