الاثنين، 11 يوليو 2011

وانفــصــــــــــل الجنــــــــوب نشرت بتاريخ 10-07-2011م


وانفصـــــــــل الجنــــــــــــوب

بقلم: ســامي زكـــــريا
 كاتب صحفي وباحث مصري  
  Samy583@hotmail.com











في ظل اشتعال جذوة التغيير في مصر وملاحقة الشعب للمجلس العسكري والحكومة المؤقتة والضغط عليهما من أجل التسريع بتنفيذ مطالب الثورة والثوار، والقضاء على الفاسدين، فإنه كان هناك بالأمس حدث جَلل بجوار مصر نتج عن هشاشة الموقف المصري وضعفه خلال فترة مصر ماقبل ثورة 25 يناير وترك ملفات في غاية الخطورة مثل ملف جنوب السودان حتى وصلت إلى ماوصلت إليه.
بالأمس أعلِنَت دولة جنوب السودان رسمياً بناء على نتيجة الاستفتاء الذي أجري في التاسع من يناير الماضي بعد مرحلة من الصراعات والحروب دفع الشعب السوداني فيها الكثير من دماء أبنائه، ومع ضغوط أمريكية وأوروبية هائلة كانت نتيجتها موافقة الحكومة السودانية على حق تقرير المصير للشعب الجنوبي في استفتاء.
نتيجة الاستفتاء معروفة سلفا لأن الحديث والمطالبات بإقامة دولة الجنوب ليست وليدة السنوات الأخيرة ولكنها ممتدة منذ عشرات السنين وتقف وراءها جهات أجنبية عديدة، ولكن نكوص معظم الدول العربية عن أداء دورها في مراحل عديدة هو الذي أوصل الأحوال إلى هذه النقطة الفارقة.
ما أعتقده أن مصر لو كانت بقوتها السياسية المعهودة على مدار التاريخ ما تجرأ أحد على التفكير في وضع بند حق تقرير المصير في اتفاقية نيفاشا التي أنهت الحرب بين الشمال والجنوب، ولكن القوة السياسية المصرية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك كانت في أدنى مراحلها، ولو لم يكن في الأمر حرج مع دولة الجنوب الوليدة لرفعت صوتي مطالبا بمحاكمة الرئيس المخلوع مع حكومته الفاسدة على انفصال جنوب السودان أيضا، مع المحاكمات الأخرى، لأن قوة السودان الموحد كان يجب أن تكون من أولوياته وليس توريث العرش لابنه جمال.
انفصل الجنوب، وأعلنت دولته رسميا أمس، وأول المعترفين به جمهورية السودان، وستعترف به دول العالم ومؤسساته وهيئاته بأسرع ما يمكن ليصبح الدولة 192 في الأمم المتحدة، وسيكون للدولة الوليدة صوت في القرارات الدولية، لذلك فإن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها يعد من أولويات الدول العربية لأنها ستصبح جارة لها تأثير كبير على الكثير من القضايا العربية، وهو ما استشعرته جامعة الدول العربية بإرسال وفد عالي المستوى لحضور احتفالات إعلان استقلال دولة الجنوب.

دولة الجنوب اختارت الانجليزية لغة ونهجا الأمر الذي كان متوقعا، وأبدت جامعة الدول العربية ترحيبها بانضمام الدولة الجديدة لها ولكن لم يصدر أي تصريح من أحد قادة الجنوب وهو مايعني ربما تحفظا على ذلك أو عدم استباق للأحداث قبل الإعلان رسميا عن قيام الدولة الجديدة.
شخصيا لا أتوقع هذا الانضمام في القريب العاجل أو البعيد - وأتمنى أن يخيب ظني- لأن جامعة الدول العربية بقدر ما أصدرت من تصريحات عن مشكلة جنوب السودان فإنها لم تتدخل بقوة سياسية أو اقتصادية لاحتواء الجنوب في الدولة الموحدة، ونتساءل أين ما قدمته حتى خلال فترة السنوات الست ماقبل الاستفتاء على الانفصال؟، وأين الدور المصري والعربي من مشكلات السودان عموما؟.
لا أرى غير التحرك القطري لاحتواء مشكلة دارفور ونجحت قطر فيه إلى حد بعيد بتوقيع اتفاقية سلمت للأمم المتحدة بعد كفاح وصبر امتد لسنوات في مفاوضات مضنية بين كافة الفصائل الدارفورية قادها الوزير النشط سعادة السيد عبد الله آل محمود.
السودان الآن وقد انفصل جزء منه يمثل ربع مساحته كان يرغب في ملامسة الوعود الأمريكية والأوروبية برفعه من اللائحة السوداء وإقامة علاقات طبيعية معه بعد أن وافق على بنود اتفاقية نيفاشا مع أخطر بند فيها وهو منح الشعب الجنوبي حق تقرير مصيره بين الاستقلال أو البقاء في السودان الموحد وكانت معروفة نتيجته سلفا ومع ذلك وبعد إعلان استقلال الجنوب أعلنت الولايات المتحدة أنها أسقطت عن دولة الجنوب العقوبات المفروضة على السودان، أي أنها لن ترفع العقوبات عن الشمال، وهي خطوة تؤكد أن استقلال الجنوب لن يؤدي بالتبعية إلى انفراجة أمريكية في العلاقات مع الخرطوم، ويعطي إشارة أن السودان مازال تحت المنظار الأمريكي غير الراغب في وجوده بمثل هذه المساحة حتى بعد انفصال الجنوب.
مقتل أحد الدعاة المسلمين بجنوب السودان (أمين المجلس الإسلامي) خلال الأيام الماضية والقبض على العديد من رموزهم بعد احتجاجهم على الحادث مع استمرار السياسة الأمريكية تجاه السودان على ماهي عليه دون تغيير يعطي إشارة أن الأيدي والعقول التي تعبث بالأمن القومي العربي مازالت تخطط لأحداث أخرى ولن يتوقف الأمر على جنوب السودان فقط، ولن يوقف هذا العبث بأمننا القومي إلا وحدة الصف وحكومات قوية تعرف وتقرأ هذه المخططات جيدا وتضع لها القواعد الراصدة لوأدها في مهدها قبل أن تستفحل وتصل إلى ما وصل إليه الجنوب.

http://www.raya.com/articles/rayaforum/Pages/2011-7-10-1070.aspx

ليست هناك تعليقات: